صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

حكيم بنشماس يطالب الحكومة باحترام الفصل 101 من الدستور

نلتقي بكم مجددا في جلسة مساءلة شهرية حول موضوع كان الأجدر بنا أن نتناوله في جلسة سنوية لتقييم الأداء الحكومي طبقا للفصل 101 من الدستور، ذلك أن الموضوع الذي نسائلكم بشأنه اليوم يهم سياسة عمومية هي بمثابة قطب الرحى في مجال تدبير الشأن العام لما تحيل عليه من اختيارات على مستوى النموذج التنموي ومن أولويات على مستوى التدبير الاستراتيجي.

إن إلحاحنا على عقد جلسة سنوية لتقييم أداء الحكومة تفرضه علينا قناعتنا بضرورة تنزيل الدستور، ويمليه علينا كذلك إيماننا بضرورة الإسهام في انتقاء الاختيارات الكبرى وتحديد الأولويات على مستوى التنمية الاقتصادية بشكل عام، وعلى مستوى الاستثمار بشكل خاص سيما وأن بلادنا تعيش نوعا من الأزمة الاقتصادية أهم تجلياتها تكمن في العجز المسجل إن على مستوى الميزانية أو على مستوى الحسابات الخارجية وأهم مسبباتها تكمن في نظرنا في سياسة استثمارية تفتقد إلى النجاعة والفعالية.

إن الوضعية الصعبة التي يجتازها الاقتصاد الوطني اليوم تؤكد محدودية النموذج التنموي المعتمد ببلادنا والذي يقوم على دعم الطلب الداخلي، هذا الأخير الذي يقوم أساسا على حفز الاستهلاك من خلال الرفع من القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات وعلى تقوية الاستثمار، إلا أنه وبسبب ضعف تنافسية المنتوجات الوطنية جراء سياسة استثمارية غير ناجعة، أصبح هذا النموذج التنموي مصدر أزمة، ذلك أنه أمام التنامي المضطرد للواردات مقابل للصادرات، أصبح عجز الميزان التجاري ذا طابع هيكلي وينزل بثقله على الإمكانيات التمويلية من خلال تأثيره السلبي على ميزان الأداءات كونه يؤدي إلى استنزاف الاحتياطي الوطني من العملة الصعبة.

وعلى اعتبار أن المغرب تربطه اتفاقيات تبادل حر مع العديد من الدول في إطار سياسة الانفتاح، والتي يسجل المغرب عجزا في مبادلاته معها كلها وبدون استثناء (عجز يقدر بـ 150 مليار درهم مع الاتحاد الأوروبي، 18 مليار درهم مع الولايات المتحدة الأمريكية، 5,2 مليار درهم مع تركيا، 3,6 مليار درهم مع الدول العربية الثلاث في إطار اتفاقية اكادير-تونس ومصر والأردن)، لذلك لا بد  من تأهيل النسيج الاقتصادي المغربي بهدف الرفع من نسبة الصادرات والحد من التنامي المضطرد للواردات.

نسائلكم : فما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الإكراهات السالفة الذكر عدا وقف تنفيذ 15 مليار درهم من اعتمادات الاستثمار واللجوء إلى رهن مستقبل الأجيال القادمة من المغاربة والتفريط في سيادة المغرب على ماليته من خلال الإقبال على المزيد من الاقتراضات الخارجية؟

السيد الرئيس،

لقد أكدنا في بداية مداخلتنا على أن المشاكل التي يتخبط فيها الاقتصاد المغربي وأن الوضعية الحرجة المسجلة على مستوى الحسابات الخارجية مردها بالأساس إلى النموذج التنموي المعتمد وبالضبط إلى غياب سياسة استثمارية ناجعة،

 ولا أدل على ذلك أننا، بمجهود استثماري يضاهي 36% من الناتج الداخلي الخام نحقق نسب نمو بين 2%  و4% في الوقت الذي تحقق فيه مصر على سبيل المثال نموا اقتصاديا سنويا بمعدل 10% بفضل مجهود استثماري لا يتعدى 18% – قبل ان يأتي الرئيس المخلوع ليجهز على هذه المكتسبات- ، وفي الوقت الذي لا يتعدى فيه هذا المجهود الاستثماري في تركيا 21% ، وفي تايلاندا 27,5%، وفي ماليزيا 20,7% وفي أندونيسيا 24,6%.

وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن السياسة الاستثمارية ببلادنا تفتقد إلى النجاعة وأن المجهود الاستثماري للدولة على أهميته، لا يساهم في خلق الثروة اللازمة ولا يمكن من تعبئة الدخل الفردي والوطني وخلق مناصب شغل بشكل يتماشى مع حاجيات المغرب.

محدودية السياسة الاستثمارية بالمغرب تبدو جلية كذلك إذا ما تمحصنا في تركيبة النسيج الاقتصادي المغربي، بحيث أصبحت تتشكل هذه الأخيرة من 55,7% للخدمات مقابل 28,9%  لقطاع الصناعة و15,3% لقطاع الفلاحة، في حين أن البنية السليمة للاقتصاد المغربي، استنادا إلى المعيار المعتمد بالنسبة للدول التي هي في نفس مستوى نمو المغرب، تتشكل من 19% للقطاع الفلاحي و22% للصناعة و59% لقطاع الخدمات،

 وإذا كان القطاع الفلاحي عرف نوعا من الانتعاش ، فإن الناتج الداخلي الإجمالي الغير فلاحي عرف تباطؤا حادا حيث بلغ 1,9% مقابل 4,5% متأثرا بتراجع القيمة المضافة للقطاع الثانوي وبالنمو المتواضع للقطاع الثالثي،

وإذا كان انتعاش القطاع الفلاحي مرده إلى التساقطات المطرية التي أنعم الله علينا بها هذه السنة فإن التراجع المسجل على مستوى الصناعة والتجارة والخدمات لا نرى له تفسيرا غير أنه نتيجة حتمية لقرار وقف تنفيذ 15 مليار درهم من اعتمادات الاستثمار لهذه السنة ولتداعيات هذا القرار على مستوى الثقة في مناخ الأعمال بالمغرب.

السيد رئيس الحكومة المحترم،

إن الاستمرار في الاعتماد على هذا النموذج التنموي رغم كل المؤشرات التي تدل على محدوديته لدليل على فشل الحكومة في ابتكار الحلول ولدليل كذلك على افتقاد الحكومة لقدرة الإنصات لأننا تطرقنا إلى هذه الإشكاليات غير ما مرة وفي أكثر من مناسبة دون أن تلقى ملاحظاتنا وأطروحاتنا في هذا الشأن أية ردة فعل لدى الحكومة، ولأننا نمارس معارضة بناءة ومسؤولة ونضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار سوف نتناول هذه الملاحظات والأطروحات مجددا وبكثير من التفصيل لعلكم تفقهون .

السيد الرئيس،

نعود لنؤكد أن الإكراهات التي يعيشها الاقتصاد الوطني مردها إلى محدودية النموذج التنموي المعتمد ومحدودية هذا الأخير تتجلى في كون الاستثمار لا يعطي أكله وذلك على الرغم من أهمية المجهود الاستثماري ببلادنا، وهذا لا يعني بأن الإنجازات المحققة جراء هذا المجهود الاستثماري غير مفيدة، ولكن وجب التأكيد بالمقابل على غياب التوازن بين الاستثمارات المنتجة بشكل مباشر والاستثمار في البنيات التحتية والتي هي في جميع الأحوال رهان على جلب الاستثمارات المنتجة.

ويتجلى غياب النجاعة على مستوى السياسة الاستثمارية في نظرنا في:

                          · 1 عدم انتظام الاستراتيجيات القطاعية ضمن تصور استراتيجي متكامل ومتناغم ذلك أن المغرب يتوفر في أحسن الأحوال على بعض الاستراتيجيات أو المخططات القطاعية دون التوفر على استراتيجية تنموية مندمجة.

                          ·2 ضعف الإنتاجية العامة لعوامل الإنتاج بسبب الإكراهات المرتبطة بمناخ الأعمال. وجدير بالذكر أن التقرير الأخير للملتقى الاقتصادي الدولي يصنف المغرب في الرتبة 73 من ضمن 142 دولة مسبوقا بعدة دول عربية،

ومرد ذلك إلى مجموعة من العراقيل التي تقف في وجه الاستثمار الخاص وأهمها: صعوبة الولوج إلى العقار بسبب ضعف العرض وإشكالية المضاربات، صعوبة الحصول على التمويل بسبب التمييز الذي تمارسه المؤسسات البنكية لفائدة كبريات الشركات على حساب المقاولات الصغرى والمتوسطة، إضافة إلى ثقل الضرائب ومعضلة الرشوة والتعقيدات البيروقراطية والإكراهات المرتبطة بالقضاء.

                          ·3 توجه موارد العمل ورأس المال للمنتوجات الغير القابلة للتبادل ولا أدل على ذلك التراجع المسجل على مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات الصناعة والاتصالات حيث انخفضت هذه الأخيرة على التوالي من 32,8% و38,6% في الفترة ما بين 2000 و2004 إلى 14,2% و16,8% ما بين 2005 و2011، في الوقت الذي قفزت فيه نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع العقار والبناء من 9,1% ما بين 2000 و2004 إلى 21,7% ما بين 2005 و2011، وفي قطاع السياحة من 3,3% إلى 18,5%.

الحكومة تقدم هذا الارتفاع كانجاز = المغالطة  السياسة المتبعة في مجال الاستثمار قد أفضت إلى خلل على مستوى تركيبة الاقتصاد لفائدة القطاع الثالثي على حساب قطاع الصناعة.

                          ·4 إضافة إلى هذا الخلل على مستوى تركيبة الاقتصاد المغربي، يعزى ضعف تنافسية المنتوجات الوطنية وتراجع الاستثمار في قطاع الصناعات كذلك إلى الضعف المسجل على مستوى الرأسمال البشري إذ تتشكل بنية اليد العاملة، حسب المندوبية السامية للتخطيط، من 35% من الشغيلة الأمية و48 %لها مستوى تعليم ابتدائي وثانوي، بينما لا تتجاوز حصة المؤهلات الجامعية نسبة 7,5%، وهو ما يفسر عدم تشغيل المقاولات للأطر.

                          · 5 من جهة أخرى، تعاني البرامج القطاعية من صعوبات عدة على مستوى التمويل بسبب التراجع المهول لمعدلات الإدخار (التي لا تتعدى 30% من الناتج الداخلي الخام) وبسبب المزاحمة التي تمارسها الدولة على القطاع الخاص لإشباع حاجياتها التمويلية سيما وأننا أصبحنا غير قادرين على توفير تمويل ذاتي للاستثمار بل وأصبحنا نقترض حتى لتمويل جزء من الاستهلاك. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن التمويلات البنكية لفائدة المقاولات سجلت تراجعا في الأربعة أشهر الأولى من السنة الجارية بمعدل 10% على مستوى قروض الخزينة (Crédits de Trésorerie) و4,4% على مستوى قروض التجهيز (المصدر: la vie Eco بتاريخ 14 نونبر 2013).

                          ·6 وتجدر الإشارة كذلك أنه على المستوى الماكرو اقتصادي فإن العجز المسجل على مستوى الميزانية والذي وصل إلى 7,1% سنة 2012 والعجز المسجل على مستوى الحسابات الخارجية (حيث وصل عجز الميزان التجاري إلى 197 مليار درهم سنة 2012) والذي هو نتيجة حتمية لهذه السياسة الاستثمارية الغير الناجعة يصبح بدوره سببا في تفاقم الأوضاع على مستوى مناخ الأعمال.

السيد رئيس الحكومة المحترم،

لا يمكنكم الاستمرار في تصريف المكتوب وتجاهل كل هذه الحقائق والمعطيات التي تنذر بوضع اقتصادي كارثي. لا يمكنكم الاستمرار في إنتاج الكلام والشعارات وتأخير الأوراش الإصلاحية إلى بعد حين. لا يمكنكم الاستمرار في ابتكار الحلول الترقيعية المحدودة الجدوى بل يجب عليكم أن تتحملوا مسؤوليتكم كاملة للحؤول دون تفاقم الأوضاع الاقتصادية ببلادنا، وذلك لن يتأتى في نظرنا إلا بإعادة النظر في السياسة الاستثمارية المعمول بها حاليا وبلورة إجراءات وتدابير تروم تأهيل النسيج الاقتصادي بشكل هيكلي ومهيكل في إطار استراتيجية تنموية مندمجة.

الاقتراحات والبدائل:

وكإجراء أولي في اتجاه الحد من العجز المسجل على مستوى الميزان التجاري يجب على الحكومة لن تبادر إلى :

                   ·تعبئة عروض التصدير التنافسية.

                   ·تكييف الإمدادات الحالية مع متطلبات السوق.

                   ·تسريع تنفيذ واتساق الاستراتيجيات القطاعية والأفقية التي أنشئت خلال السنوات الخمس الماضية.

                   ·انهاء إصلاح الإطار العام التنظيمي للتجارة الخارجية بما يسمح بتعزيز مراقبة ورصد الواردات للكشف عن الغش والمنافسة غير المشروعة.

                   ·العمل على تحقيق انسجام السياسات العمومية لمواجهة أية آثار سلبية لزيادة الطلب على الواردات، ولضمان الاستدامة في التوازنات الأساسية للاقتصاد المغربي.

إضافة إلى هذه التدابير التي تروم بالأساس تطوير السياسة التصديرية، هناك تدابير وإصلاحات بنيوية نرى أنه من الضروري الانكباب عليها بغية تطوير السياسة الاستثمارية وتمنيع الاقتصاد الوطني في الحاضر والمستقبل، ويتعلق الأمر بـــــ:

                   ·1 دمج المخططات والبرامج الهادفة إلى دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة (برنامج مقاولتي، برنامج إقلاع…) في إطار إستراتيجية متكاملة ومندمجة مع اعتماد مقاربة تشاركية.

                   ·2 اعتماد خطة وطنية لتحسين مناخ الأعمال : إجراءات عملية تروم تبسيط المساطر المتعلقة بإحداث المقاولات، تحديث وعصرنة الإطار التشريعي المتعلق بالمقاولات خاصة فيما يرتبط بفض النزاعات، حل إشكاليات الولوج إلى العقار…

                   ·3 بلورة استراتيجية وطنية للتصنيع تقوم على التركيز على الصناعات التي يمتلك فيها المغرب سبقا تنافسيا في إطار التخصص العالمي، من قبيل الصناعات الاستخراجية، الطاقات المتجددة وقطع غيار الطائرات..

                   ·بلورة استراتيجية وطنية مندمجة لتطوير الإمكانيات التمويلية لفائدة القطاع الخاص وذلك من خلال :

                               ·مخطط إرادي مندمج للنهوض بالادخار الوطني عوض الاكتفاء بإجراءات محتشمة ومتفرقة على مستوى المجهود من قبيل مخطط ادخار السكن، مخطط ادخار الأسهم ومخطط ادخار التكوين. وهنا يمكن التأكيد على أهمية التحفيزات الجبائية إزاء الادخار على غرار ما هو معمول به بالدول المتقدمة.

                               ·تطوير القدرات التمويلية لسوق البورصة (حيث أن هذه الأخيرة لا تمول حاليا سوى 6% من الاقتصاد الوطني) وذلك من خلال اعتماد تدابير تروم تسهيل ولوج المقاولات الصغرى والمتوسطة لسوق البورصة .

                               ·خلق مؤسسة بنكية متخصصة في تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة أو إحداث منتوج بنكي مدعم من طرف الدولة لفائدة هذه الفئة من المقاولات، ذلك أن الأبناك الخمس التي تستحوذ على المنظومة المصرفية بالمغرب توجه منتوجاتها بالأساس لفائدة المقاولات الكبرى والاستثمار في سندات الخزينة، كما أن المنتوج الذي تقدمه مؤسسات السلفات الصغرى لا يرقى إلى مستوى المتطلبات التمويلية للمقاولات الصغرى والمتوسطة.

لا يمكن للحكومة وحدها أن تقوم بذلك: 18 شهرا بدون مشاورات

كما نعتبر في فريق الأصالة والمعاصرة أنه من الحلول المتاحة لدعم الصادرات المغربية، يتوفر المغرب على فرص لدعم الطلب الخارجي من خلال التوجه إلى الأسواق الإفريقية عبر إبرام اتفاقيات تبادل حر مع الدول الإفريقية الصديقة والشقيقة.

إضافة إلى هذه التدابير التي لها ارتباط مباشر بالسياسة الاستثمارية والتصديرية، هناك أوراش إصلاحية أخرى لها تأثير مباشر على مناخ الأعمال ومن تم على مردودية الاستثمار ببلادنا ويتعلق الأمر بالإصلاح الشامل للمنظومة الجبائية والذي طال انتظاره رغم أنه نظمت بشأنه مناظرة وطنية في الفصل الأول من السنة الجارية، بالإضافة إلى ورش تأهيل القطاع غير المهيكل.

هذه إذن أهم اقتراحاتنا وأطروحاتنا في مجال السياسة الاستثمارية في القطاعات الغير الفلاحية التي نعتقد جازمين بأن تنفيذها يتطلب إرادة وجرأة سياسية حقيقية، والتي نعرض لها من منطلق إيماننا الراسخ بضرورة تظافر الجهود إزاء قضايا جوهرية ومصيرية مثل هاته بعيدا عن أية حسابات سياسوية وانتخابوية ضيقة.

 

معاريف بريس

www.maarifpress.com

 

 

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads