صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

تسريبات CNSS: اختراق للثقة قبل أن يكون اختراقا إليكترونيا

معاريف بريس – أخبار وطنية

ما وقع بداية أبريل 2025 لم يكن مجرد “محاولة تسلل سيبراني” كما حاول البعض التقليل من شأنه، بل كان تسريبًا واسع النطاق لمعطيات حساسة وشخصية تهم ملايين المغربيات والمغاربة وآلاف المقاولات، من الموقع الرسمي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS). الواقعة أحدثت صدمة لدى الرأي العام، لكن الصدمة الأكبر كانت في طريقة تعامل الحكومة والمؤسسة المعنية مع هذا الخرق الذي مسّ السيادة الرقمية والثقة في المؤسسات.

بلاغات الصندوق اكتفت بحديث غامض عن “مضامين مضللة”، دون أي اعتراف صريح بوجود اختراق كبير ولا بتفاصيل عن حجم الضرر. أما الحكومة، فعادت إلى لغتها المألوفة باتهام “جهات معادية” بالسعي إلى التشويش على “مسار الإصلاحات”، وكأن المغاربة لا يستحقون خطابًا مسؤولًا وشفافًا يضع الأمور في نصابها.

في السياق المغربي، حيث الدولة تراهن على الرقمنة لتبسيط المساطر وتجويد العلاقة بين الإدارة والمواطن، فإن مثل هذا الحادث يعري هشاشة الحماية المعلوماتية، ويطرح بجدية سؤال الثقة في المنصات الرقمية، خاصة حين يتعلق الأمر بمؤسسة بحجم الـCNSS، المؤتمنة على معطيات دقيقة تخص حياة الناس ومصدر رزقهم.

رد الفعل الرسمي افتقد إلى الجرأة والوضوح. الناطق الرسمي باسم الحكومة لم يخرج عن المألوف، إذ اعتبر أن ما حدث “فعل إجرامي”، دون تقديم أي معطى ملموس أو تعهد سياسي واضح، مكتفيًا بطمأنة المواطنين بأن “مثل هذه الحوادث تقع في دول أخرى”، وكأننا نبحث عن عزاء جماعي وليس عن محاسبة مسؤولة.

المغاربة كانوا ينتظرون:

اعترافًا بالخطأ، وموقفًا واضحًا من الحكومة والصندوق يعكس تحمل المسؤولية المؤسساتية.

فتح تحقيق مستقل وشفاف، وليس “تحقيقًا داخليًا” من داخل المؤسسة نفسها.

تواصلًا مباشرا وصريحًا مع الرأي العام، لا بلاغات تقنية مبهمة.

تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما ينص عليه دستور المملكة، وعدم الاكتفاء بخطابات التبرير.

إطلاق إصلاح شامل لمنظومة الأمن السيبراني بالمغرب، يهم القطاعات العمومية وشبه العمومية، ويمنح المواطنين الثقة الكاملة في أي خدمة رقمية.

ما جرى يكشف أيضًا، من خلال بعض الوثائق المسربة، اختلالات عميقة في تصور “العدالة الاجتماعية”، التي جعل منها الخطاب الرسمي ركيزة لـ”النموذج التنموي الجديد”. فالفوارق الصارخة في الأجور، والمزايا التي تستفيد منها فئات دون غيرها، كلها عناصر صادمة كشفتها التسريبات.

إن تحميل المسؤولية لـ”جهات معادية” لا يُعفي المسؤولين من مسؤولياتهم. فمن يرفع شعار “الدولة الاجتماعية” و”الحكامة الجيدة” عليه أن يقرّ حين يُخفق، لا أن يبحث عن شماعات خارجية.

فالثقة تُبنى بالوضوح، وتُهدم بالغموض، وحماية الأمن الرقمي للمغاربة ليست امتيازًا بل حق دستوري يجب أن يُصان، بالقانون، بالرقابة، وبالمحاسبة.

معاريف بريس Htpps://maarifpress.com

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads