معاريف بريس – أخبار وطنية
يشهد تاريخ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأن مؤتمرات هذا الحزب كانت تشكل سواء عند الإعلان عنها أو تحضيرها أو انعقادها حدثا سياسيا بامتياز ، ينتبه إليه الجميع ، دولة و مجتمعا و مثقفين و إعلاميين و فرقاء سياسيين ببالغ الاهتمام ترقبا لما ستسفر عنه هذه المؤتمرات من خلاصات و مقررات و ما ستفرزه من قيادات .
كانت مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي تستقطب أنظار و ترقب معظم الرأي العام الوطني ، منذ المؤتمر الاستثنائي سنة 1975 الذي عرف تحولا جذريا في استراتيجية الحزب ، إلى المؤتمر الثالث 1978 الذي عرف ببيانه الختامي الناري ، إلى المؤتمر الرابع 1984 الذي اشتهر بوثيقة “أزمة المجتمع و البناء الديمقراطي ” ، إلى المؤتمر الخامس 1989 الذي أطلق دينامية الإصلاح الدستوري و السياسي و الانفراج الحقوقي ، إلى المؤتمر السادس 2001 الذي زكى تجربة التناوب التوافقي ، إلى المؤتمر السابع ثم الثامن بما لهما و ما عليهما ..
كانت مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي لحظة سياسية قوية ، لتجديد الأفكار و نحت البرامج و وضع خطط العمل ثم انتخاب القيادة التي ستدبر ما أنتجه المؤتمر.
مع المؤتمر التاسع ، أي مع تنصيب و فرض ادريس لشكر كاتبا أول للحزب ضدا في قواعد و تاريخ الحزب ،ستنقلب الأمور رأسا على عقب ، و سيصبح هاجس التنظيم و القيادة أهم و أكبر الهواجس ، و لا مجال إطلاقا للنقاش السياسي أو المطارحات الفكرية و الثقافية .
صار هم ادريس لشكر و هو يحضر لحفلات بيعته و تأبيد سطوه على الحزب ، خلال المؤتمرات العاشر و الحادي عشر و الثاني عشر ،هو المناورة و حشد الأتباع و إقصاء المخالفين حتى يضمن استمراره بأي ثمن و بأية وسيلة . لم يعد يهمه لا البرنامج و لا المشروع و لا الأفكار و لا الوضوح و لا الاستراتيجية ، كل شيء أصبح عنده تنظيم في تنظيم و تكتيك في تكتيك ليبقى على رأس الحزب ، و أما السياسة و المواقف فستملى عليه لاحقا.
و بذلك أصبحت مؤتمرات الاتحاد مجرد تجمعات يختلف جمهورها من مؤتمر إلى آخر ، أغلبية من يحضرها من غير الاتحاديين، و بنقطة وحيدة على جدول أعمالها : تثبيت ادريس لشكر على رأس حزب ، لم يعد هو الحزب الذي عرفه المغاربة بالنظر لحجم المسخ الذي لحقه ، و لم تعد مؤتمراته تحظى بالاهتمام أو تخلق الحدث بقدر ما صارت مجالا للتنكيت و السخرية ،و في أقل الأحوال اللامبلاة.
آخر مهازل ، هذا الحزب المسكين ، هو ما سمي بالمؤتمر الثاني عشر ، الذي قيل بأنه سينظم على مدى ثلاثة أيام 17 و 18 و 19 أكتوبر الجاري ، ليتفاجأ الجميع بأن المؤتمر انطلق زوال الجمعة 17 و انتهى زوال السبت 18 أكتوبر ، أي في أقل من يوم كان كل شيء منتهيا.
هذا الكل شيء يعني افتتاح باهت ، غابت عنه كل الوجوه الاتحادية المعروفة ، و حضره رئيس الحكومة الذي استقبل و كأنه يحضر زفاف أحد مكفوليه ، غابت عنه الصحافة الجادة و المستقلة ، حضرته الزغاريد و التصفيقات المنافقة.
و بعد الافتتاح و في جنح الليل ، و في غياب الغالبية العظمى من المؤتمرين ، و بحضور 200 مؤتمر من بين 1700 التي قيل أنها حضرت المؤتمر ، سيعمد ادريس إلى ابتداع بدعة التمديد ، و كل بدعة ضلالة .
لم يكن هناك ترشيح و لا انتخاب و لا صندوق زجاجي ، و لا منافسة ، و لو شكلية .
كل ما كان هو مسرحية رديئة الإخراج ، معدة على عجل و في ارتباك ، غايتها التمديد لادريس ، ضدا في الديمقراطية و في قوانين الحزب و في قانون الأحزاب و في انتماء الحزب للأممية الاشتراكية و في مبدأ التداول و التجديد و التشبيب ، و ضدا في الحناجر الشابة التي صدحت بمطلبها في تخليق الحياة السياسية و تجديد نخبها و قياداتها ، حتى تسترجع ثقتها فيها و تنخرط في دينامياتها.
كان التمديد هو المؤتمر و المؤتمر هو التمديد ، لتصيب النخبة و الإعلام و المثقفين و الشباب و الساسة ، و أصدقاء و خصوم الاتحاد صدمة .
و مما زاد الطين / الفضيحة بلة أن المجلس الوطني المفروض أن ينتخب و تعلن اللائحة كاملة و تعرض للمصادقة ، فقد تدخل ادريس لشكر شخصيا لفرض أسماء و تنحية أسماء ، و في سابقة خطيرة فرض على ما تبقى في المؤتمر أن يصادقوا على العدد المخصص لكل جهة دون ذكر الأسماء ، حتى يخلو له الجو للتلاعب كعادته
و بذلك اكتملت المهزلة / مقصلة الديمقراطية و تفاقمت الصدمة التي تحولت إلى موجة وطنية عارمة من التفكه و السخرية و الاستهجان و الإدانة .
و بذلك حول ادريس لشكر مؤتمر الاتحاد إلى مؤتمر لمزيد من كره الاتحاد و الابتعاد عن الاتحاد، و تنفير الشباب و النخب من الاتحاد.
و بذلك جعل ادريس لشكر من مؤتمر الاتحاد الذي كان دائما حدثا ….لاحدثا ، أو مجرد حديث ساخر أو ساخط .
معاريف بريس htpps://maarifpress.com