صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

العالم يعتقد أن اليمين يمثل اسرائيل

الكنيست مليئة بساسة شباب، من جيل لم يعرف مؤسسات دولة اسرائيل القومية. وهم يعتقدون أن الحديث عن أجسام مغبرة لا صلة لها بالواقع، ويعرف القدماء منهم فقط وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان يعرفون جيدا الكنز المخبوء في هذه المؤسسات: ميزانيات قليلة الرقابة عليها، وقناة تفضي الى أوزة تبيض بيضا ذهبيا، ويهود الجاليات.
وتُقل وسائل الاعلام الاسرائيلية ايضا من الاشتغال في هذه الاجسام غير المغرية، ولم يعد يوجد مراسلون مهتمون بشؤون الوكالة والجاليات. وكان التحقيق المنفق عليه في ‘الكيرن كييمت’ الذي أذاعه في الشهر الماضي رفيف دروكر في القناة 10، بمنزلة محمية طبيعية نادرة. إن الكيرن كييمت هي فقط الحلقة الأقوى والأغنى في سلسلة المؤسسات القومية للدولة الآتية.
إن سر بقاء مؤسسات مثل ‘الهستدروت الصهيونية العالمية’، وا’لكيرن كييمت’ الاسرائيلية والوكالة اليهودية و’كيرن هيسود’ هو الاشخاص الذين يرأسونها: فهم ساسة من النوع الذي يحب ساسة آخرون ولا يهم من أي حزب، العمل معهم؛ وهم اشخاص يعرفون كيف يجيزون الميزانية سريعا وفي هدوء، ويحلون مشكلة رئيس بلدية ونائب وزير، ويربطون بين متبرع يهودي سخي وهدف جيد ويجدون عملا لعضو كنيست مخلص فقد مكانه في الكنيست.

عظيم الأمة المجهول

في هذا المساء حينما يشارك اعضاء الهيئة أ في المراسم التقليدية بالقرب من قبر هرتسل في القدس، سينظر عدد منهم الى مقبرة عظماء الأمة. إن طائفة قليلة يستحقون أن يدفنوا هناك وهم رؤساء ورؤساء وزراء ورؤساء الكنيست، الى جانب أزواجهم. وإن مكان نشيط ما يكاد يكون مجهولا من الجمهور الاسرائيلي، أصبح مضمونا على الجبل وهو ابراهام دفدفاني، رئيس الهستدروت الصهيونية العالمية.
إن دفدفاني أو (دفداف) كما يسميه الجميع، هو مفدالي من النوع القديم الصالح. وهو ابن عضو كنيست وممثل جمهور مخلص في حد ذاته، عمل كل حياته المهنية تقريبا في مناصب في الوكالة اليهودية والكيرن كييمت. وهو رب المراسم لأن موقع الذكرى القومية في قبر هرتسل تديره الهستدروت الصهيونية، ولذلك فان دفدفاني الرئيس ايضا. وهذا منصب تولاه في الماضي هرتسل ووايزمن وبن غوريون يستحق هو ايضا أن يُدفن هناك.
إن دفدفاني برغم الجهل النسبي به موقع على انجاز لا نظير له يعرف قليلون معناه: فقد نجح في نفخ روح الحياة في منظمة أبنتها كل المؤسسة اليهودية من قبل باعتبارها الحلقة الأضعف في المؤسسات القومية، وباعتبارها عفناً زائدا منذ الايام التي سبقت نشوء الدولة.
قبل خمس سنوات وبعد نضال طويل، حظي رؤساء الاتحادات اليهودية في امريكا الشمالية بفوز عظيم حينما تم الفصل بين منصبي رئيس الوكالة اليهودية والهستدروت الصهيونية. الى ذلك الحين كانت الهستدروت الصهيونية في واقع الامر هي مجلس مديري الوكالة وقُسمت المناصب فيها بحسب مفتاح سياسي عبر عن علاقات القوى بين الاحزاب الصهيونية في الكنيست وهو ما رآه رؤساء الاتحادات مصدرا للفساد والعفن وعائقا أمام كل اصلاح. وكان التفريق بين المنصبين فوزا للعاملين في الاتحادات، الذين تمول اموال التبرعات التي يجمعونها ثلثي نشاط الوكالة اليهودية.
يُرى تعيين دفدفاني رئيسا للهستدروت الصهيونية جائزة تسلية للمفدال الصغير المقلص. وسبب ذلك أن الهستدروت الصهيونية القديمة بخلاف مؤسسات قومية اخرى أنشئت لجعل الحلم الصهيوني كيانا سياسيا (وهي التي أُسست في المؤتمر الصهيوني الاول في 1897) بقيت لا هدف لها سوى ادارة المقبرة الوطنية.
لكن دفدفاني لم يكتف بدور الدافن للجسم الذي يرأسه ونجح بصورة عجيبة في زيادة ميزانية الهستدروت الصهيونية ثلاثة اضعاف فبدل 7 ملايين دولار كل سنة كانت الوكالة تحصل عليها حتى ذلك الحين اتفق دفدفاني مع رفاقه في الكيرن كييمت حيث عمل في الماضي رئيسا زميلا، على ميزانية سنوية تزيد على 20 مليون دولار. وكان للكيرن كييمت مصلحة واضحة في العمل كذلك لأن الهستدروت الصهيونية هي بصورة رسمية الجسم الوحيد الذي يراقبه ويعين كبار مسؤوليه.
اتجه دفدفاني مع المال الى مشاريع شتى في أنحاء بلدان الشتات، فقد أنفق على برامج تربية صهيونية، وحملات دعائية لتشجيع الهجرة، وحملة مكافحة لمعاداة السامية وما زالت اليد مبسوطة. إن هذه اعمال يفترض أن تنسب الى الوكالة اليهودية لا الى الهستدروت الصهيونية لكن العالم اليهودي كبير والوكالة في فترة تقليصات ونكوص.
والى ذلك يرأس الوكالة نتان شيرانسكي وهو محارب معروف من اجل الحرية لكنه سياسي فاشل. ودفدفاني المفدالي على عكسه عرف دائما كيف يعمل مع جميع الاحزاب ويريحها ايضا أن تعمل معه. وهكذا تحول الهستدروت الصهيونية مخصصات الى حركات شباب صهيونية تجرب نماءً لم يسبق له مثيل على الورق على الاقل؛ وتُستخدم مظلة تنظيمية للواء الاستيطان الذي هو الذراع الطويلة الخفية للحكومة للبناء في المستوطنات؛ ويُفرحها أن تكون مقاول تنفيذ لكل مهمة صهيونية اخرى.

صندوق اسرائيل الذي لا حاجة له

مع تحقيق حلم الاجيال وانشاء دولة يهودية مستقلة ذات سيادة كان يجب أن تُنقل كل الاعمال التي تولاها الكيرن كييمت الاسرائيلي على عهد الدولة التي لم تكن قد أصبحت موجودة، الى الحكومة. فقد تحقق الهدف الذي من اجله أنشيء الصندوق (الكيرن) وهو بناء الوطن اليهودي.
بيد أن الواقع مغاير تماما. اذا كان نشطاء المؤسسات القومية يُجلون ابراهام دفدفاني لاحيائه الهستدروت الصهيونية بعد الموت فان رئيس الكيرن كييمت، آفي شتنتسلر، هو نجمها الحقيقي الأكبر. وقد استخدم شتنتسلر مليارات الصندوق في حملة دعائية طويلة روج له فيها من جديد باعتباره منظمة خضراء صديقة للبيئة بدل أن تكون منظمة رمادية تشتغل في الأساس بحسابات صفقات العقارات. لكن صورة الكيرن كييمت الجديدة هي الايهام الابهظ كلفة والاكثر كذبا في تاريخ الدولة، فالحديث في واقع الامر عن شركة عقارات ضخمة تزود الدولة في ضمن ما تزود بخدمات اعمال غابات كل غايتها أن تسوغ وجودها في نظر الجمهور.
‘الكيرن كييمت يقوم بامور كثيرة مهمة جدا’، يقول عضو الادارة في الماضي، ‘والسؤال هو ألا يجب على الحكومة أن تفعل ذلك. إن الخشية هي من ألا تفعل الحكومة تلك الامور اذا أُبطل الكيرن كييمت. وعلى كل حال لا تهتم الحكومة ألبتة بالتخلي عن الكيرن كييمت لأنه مصدر لا ينفد للسيولة المالية’. ويضيف مسؤول كبير سابق في مجال ادارة الغابات أن ‘الكيرن كييمت يؤدي خدمات غابات من اكثرها تقدما في العالم، لكن هذا هو عمل الحكومة في كل دولة سليمة’.
إن السبب الوحيد لاستمرار وجود الكيرن كييمت هو حقيقة أنه لم يسارع أي سياسي الى حل جسم يسيطر على نحو من 15 بالمئة من اراضي الدولة وفي خزانته 4 مليارات شيكل ينفقها بلا رقابة أو معايير. بل إن الكيرن كييمت لا يسوق الاراضي التي يسيطر عليها بنفسه بل تقوم مديرية اراضي اسرائيل بذلك وهي التي تجبي رسوم ادارة تبلغ 25 بالمئة. وفي السنوات الاخيرة شددت ادارة الكيرن كييمت الرقابة على اجراء البيع الذي تقوم به المديرية، وزادت في جباية الاموال من الدولة من العوض الذي يُحصل عليه من بيع ‘اراضيها’. ومع ذلك فان كل تعريف لارض في اسرائيل بأنها ارض للكيرن كييمت هو عمل احتيالي لأن تلك الاراضي اشتريت من اجل شعب اسرائيل أو انتقلت الى ملكية الدولة.
وعلى نحو عام فان عبارات مثل ‘غابات الكيرن كييمت’ أو ‘متنزه الكيرن كييمت’ مضللة لأن كل الـ 1.6 مليون دونم من الغابات في اسرائيل هي اراض للدولة يديرها الكيرن كييمت فقط. ‘حينما تباع ارض يقول الكيرن كييمت انها ليست للدولة ويطلب عوضا كاملا’، يقول عامل رفيع المستوى سابق، ‘وحينما يقع حريق في غابة يتذكرون فجأة أنها للدولة’. إن اكثر الاراضي التي يديرها الكيرن كييمت موجودة ‘بين غديرة والخضيرة’، وهي عقارات كلاسيكية مخصصة للتطوير والبناء. وحينما يقول موظفو المالية إن الكيرن يملك مفتاح خفض اسعار السكن فليس الحديث عن شعار فارغ من المضمون. لأن نقل هذه الاراضي الى الدولة وحل الكيرن كييمت، مع ادارة صحيحة، يمكن أن يفضي الى زخم عظيم في السوق العقارية.
في محاولة للطمس على حقيقة أن كل مال الكيرن كييمت تقريبا يأتي من بيع اراض، يتمدح الكيرن بالقدرة على تجنيد اموال في اماكن الشتات. لكن نظام مبعوثي المنظمة لا يأتي في واقع الامر إلا بالقليل جدا من الايرادات. وفي الولايات المتحدة وبريطانيا فان ما يُعرض على أنه الكيرن كييمت أو جي.إن.اف (جويش ناشونال فونت) (الصندوق القومي اليهودي)، ليس في الاصل جزءً من الكيرن كييمت الاسرائيلي. فهذه جمعيات مستقلة توصلت بعد نزاعات قضائية الى اتفاق تجند بحسبه اموالا من الطوائف المحلية من اجل فخامة شأن الابطال المحليين، وهي تنفذ في اسرائيل مشروعات مستقلة مع مخصص سنوي للكيرن كييمت، وقد أصبح جي.ان.اف في حقيقة الامر واحدا من الماركات الفخمة بين يهود الجاليات وهو مثل كل ماركة عالمية يسوق بواسطة فائزين بمناقصات.
إن سيطرة ادارة الكيرن كييمت على خزانة مال نقد عظيمة مصدرها بيع اراضي الدولة (أي اراضي الكيرن كييمت) تُمكنها من توزيع مشاريع فخمة متنزهات أو جادات أو مباني على سلطات محلية يرأسها ساسة مقربون ذوو تأثير.
وتربح ادارة الكيرن كييمت مرتين بتمويل هذه المشاريع وتنفيذها: فهي تكتسب دعما وحماية سياسية وتدعو لنفسها بين الجمهور في مقابل ذلك. وفصل تحقيق ‘همكور’ في القناة 10 ايضا القول في أنه كيف ضاعف الكيرن كييمت تحت رئاسة الرئيس شتنتسلر نفقاته على العلاقات العامة مرتين أو ثلاثا بل اربعا.
لكن لماذا يحتاج شتنتسلر الى هذا القدر الكبير جدا من الدعم السياسي والدعم العام؟ إن ستنتسلر الذي كان رئيس بلدية جفعتايم في الماضي، هو من بقايا السيطرة شبه المطلقة لحركة العمل التاريخية على المؤسسات القومية.
ومع ضعف الحركة بقي الكيرن كييمت آخر قلعة. إن الليكود والبيت اليهودي واسرائيل بيتنا التي سيطرت من قبل على سائر القلاع تطمع فيه ايضا. والمفتاح الوحيد لاطالة مدة ولاية شتنتسلر هو البرهنة على أن المبائي من جفعتايم على الخصوص يمكنه أن يقدم البضاعة.
إنضم الى شتنتسلر باقٍ آخر هو الرئيس الزميل ايلي أفلالو من كديما. إن افلالو ايضا بلا سند سياسي بعد أن أغضب رئيسة حزبه السابق التي أصبحت اليوم وزيرة القضاء تسيبي لفني حينما دعم شاؤول موفاز في الانتخابات التمهيدية. ويزعمون في الكيرن كييمت اليوم أن السبب الوحيد الذي تحارب من اجله لفني لاخضاعهم لمراقب الدولة هو الحاجة الى الانتقام من افلالو. في هذا الاسبوع فقط رفضت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع اقتراح لفني الذي رأى أن يفحص مراقب الدولة عن الكيرن كييمت. وأعلنت لفني، التي قالت في الجلسة إنها قدمت اقتراح القانون بعد تنسيق مع المراقب يوسف شبيرا، أنها سترفع استئنافا على القرار.
ومهما يكن الامر فانه يبدو أن ايام ستنتسلر وافلالو في رئاسة الكيرن كييمت معدودة. والحديث عن وظائف فخمة جدا. ويوجد في احزاب الائتلاف الحكومي من أصبحوا يريدون الحلول محلهما. لكن المؤسسة السياسية ستظل شاكرة لشتنتسلر صورة تحويله الكيرن كييمت الرمادي الى قاعدة خضراء جذابة واستغلاله خزانته وايراداته في نيل قوة سياسية لم يسبق لها مثيل.

يهود جوالون بلا هدف

تتحدث طرفة مقدسية قديمة عن أسد هرب من حديقة الحيوانات التاناخية وحل في باحة مبنى المؤسسات القومية. وافترس في كل يوم موظفا من وكالة ولم يلاحظ أحد نقصهم الى أن افترس قسم اعداد الشاي. إن هذه الطرفة غير عادلة مع الوكالة اليهودية في سنة 2014 التي جرت عليها سلسلة اجراءات اعادة تنظيم وتقليص القوة العاملة بعشرات الدرجات المئوية. ومن الصعب أن نقول عن الوكالة اليوم في اكثر اقسامها إنها جسم مسرف، لكن يوجد من يقولون إنها اصبحت نحيلة جدا بسبب انخفاض الايرادات من التبرعات. وكان الاعتماد على العم من امريكا ناجحا ما بقي الاقتصاد الاسرائيلي يعتبر قويا، لكن في فترة ازمة مالية عالمية وبموازاة تحول اسرائيل الى قوة تكنولوجية كبيرة اصبح من الصعب اقناع متبرعين يهود حتى من الصهاينة الأتقياء منهم، بالاستمرار على تمويلها.
وقد وافقت الوكالة لزيادة ايراداتها على قبول رقابة شديدة عوض وعد من الاتحادات اليهودية في امريكا الشمالية (التي تحول اليها ثلثي الايرادات) بالحفاظ على مقدار التبرعات. استُعمل ميشا غالفرن، المقرب من الرئيس نتان شيرانسكي، بأجر ضخم في انشاء شركة فرعية لتجنيد تبرعات في نيويورك. وكان ثم من أملوا أن ينجح كيرن هيسود، وهو الجسم الذي يتولى تجنيد التبرعات في سائر العالم، في اقناع كبار الاثرياء الروس بفتح محافظهم لكن عبثا.
إن الاستعداد للتبرع لخزانة عامة عن ايمان بأن يستعمل المال استعمالا صهيونيا مناسبا قد أخذ يقل. وكانت النتيجة ازمة اقتصادية شديدة في المستشفيات ومكاتب الوكالة في القدس. والمثال الابرز على صورة ‘المتبرع الجديد’ هو المحسن الى رئيس الوزراء نتنياهو، شلدون ادلسون. فادلسون مستعد للتبرع بملايين الدولارات لكن بصورة مباشرة فقط الى اجسام يحبها مثل منظمة ‘تغليت’ التي تأتي بشباب يهود ليقضوا عطلة بالمجان في اسرائيل، والى منظمات دعاية يمينية ايضا.
منذ أنهت الوكالة عملها في 1948 بصفتها حكومة الدولة الآتية في الطريق، ضعفت ذريعة وجودها بصفتها مشجعة ومنظمة للهجرة الى اسرائيل. إن كل يهود الجاليات تقريبا يعيشون اليوم في دول حديثة في رفاهة نسبية بل اكثر منها. وإن استقرار آراء هؤلاء اليهود على الهجرة الى اسرائيل يعتمد في الاساس على بواعث اقتصادية، واذا كانوا محتاجين الى معلومات عن الامكانات التي تنتظرهم في اسرائيل فانهم يستطيعون تصفح الانترنت أو المجيء للزيارة ببساطة. ومع معطى سنوي أقل من 20 ألف مهاجر الى اسرائيل كل سنة يصعب تسويغ بقاء الوكالة.
بعد أن فقدت الوكالة دورها التقليدي لم تعد تمثل يهود الجاليات ايضا. وبعد أن ودعت في حزن جيلا من الرسل القدماء الذين لا يناسبون الواقع الجديد، بدأت بتنظيم تجنيد ناس تربية عن تفكير في تعزيز الهوية اليهودية التي أخذت تتلاشى في اماكن الشتات. لكنها ليست وحدها التي تعمل في هذا المجال، وقد فضلت طوائف كثيرة أن تفعل ذلك هي نفسها.
ما زال ممثلو الوكالة مسؤولين عن تحديد من من بين طالبي الهجرة الى اسرائيل يستحق الجنسية بحسب قانون العودة، لكن ليس يوجد ما يدعو الى عدم تنفيذ وزارتي الداخلية واستيعاب الهجرة لهذا الاجراء. إن وزارة استيعاب الهجرة برئاسة عضو الكنيست سوفا لندبار (اسرائيل بيتنا) قد اصبحت تعمل في مجال تشجيع الهجرة الى اسرائيل ولا سيما في الاتحاد السوفييتي السابق، وفي مقابل ذلك سيطرت المنظمة الخاصة ‘نيفش بنيفش’ على الزيادة في نجاعة وجدوى اجراء الهجرة من امريكا الشمالية وبريطانيا. إن ضعف الوكالة يحدث على الخصوص في مدة ولاية رئيس وزراء له صلة جيدة باماكن الجاليات. ويحاول بنيامين نتنياهو أن يطلق خطة استراتيجية تجدد الصلة بين اسرائيل ويهود العالم، بل هو مستعد لاول مرة لأن ينفق مبالغ كبيرة من ميزانية الدولة لهذه الغاية. ويتحدث العاملون معه عن مئات ملايين الشواقل التي ستقلب الفرض الشائع الذي يقول إن متبرعي الجاليات هم الذين ينفقون على الاسرائيليين، رأسا على عقب.
إن الخطة الجديدة قد تنقذ الوكالة اذا نجحت في التجدد وتحقيق سياسة نتنياهو وهي سياسة لم يبحث أحد بعد في ماهيتها وإلا فان الوكالة ستبلغ نهاية طريقها التاريخي.

جهاز الخارجية الخاص لليبرمان

في ايلول الاخير نشر مراقب الدولة يوسف شبيرا تقريرا خاصا عن عمل منظمة ‘نتيف’ أو باسمها السابق ‘لشكات هكيشر’ (مكتب الصلة). إن مجرد وجود ‘نتيف’ لا يكاد يعرفه الجمهور العريض، وحظي تقرير المراقب الذي خصص له بذكر قصير قليل فقط في وسائل الاعلام برغم أنه ليس أول تقرير يتناول ‘نتيف’. ولم تُطبق الدروس من تقارير سابقة ألبتة.
وظهر في التقرير الجديد ايضا انتقاد شديد واسع على كل مادة ممكنة، من ادارة الميزانية وتجنيد القوة البشرية الى عدم وجود تنسيق بين ‘نتيف’ والمكاتب الحكومية والمنظمات الاخرى، وموافقة على رحلات وخطط، الى نقص شديد من اجهزة الرقابة. لكن الجملة الاكثر اقلاقا التي كتبها المراقب تظهر في المقدمة الشخصية للتقرير وجاء فيها: ‘أستصوب تحديد الجوانب التالية: فانه يوجد عدم وضوح وغموض فيما يتعلق بهدف مكتب الاتصال ومكانته التاريخية وصلاحياته’.
إن ‘نتيف’ منظمة تعمل في نطاق مكتب رئيس الوزراء ولها 120 عاملا يُعين ثلثهم باعتبارهم مبعوثي دولة اسرائيل في الدول التي كانت تؤلف في الماضي الاتحاد السوفييتي. وتُزاد ميزانية المنظمة في كل سنة وتبلغ نحوا من 100 مليون شيكل. ولم ينجح مراقب الدولة حتى بعد أن بحث العاملون في مكتبه وفحصوا عن عمل المنظمة، لم ينجح في فهم لماذا توجد ‘نتيف’ بالضبط.
يحاول التقرير في الحقيقة أن يخطط المكانة الخاصة للمنظمة وهي وحدة دعم في مكتب رئيس الوزراء، موجودة مع ذلك في ضمن مسؤولية وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، لكن التقرير لا يوجد فيه تفسير لسؤال لماذا يحتاج ليبرمان الذي يسيطر على كل جهاز الخارجية في دولة اسرائيل، الى استعمال منظمة دولية اخرى. والجواب، الذي لا يظهر في تقرير مراقب الدولة، واضح لكل العاملين في العلاقات بين اسرائيل والطوائف اليهودية التي بقيت في الكتلة السوفييتية السابقة: ‘أصبح لنتيف عمل واحد في السنوات السبع الاخيرة’، قال شخص ما زال يعمل منذ سنوات كثيرة في روسيا وجاراتها من قبل احدى المنظمات الصهيونية الكبيرة، ‘وهو تنمية وتقوية العلاقات الشخصية والسياسية في المنطقة التي تتحدث الروسية، وصلة ‘اسرائيل بيتنا’ ايضا بجمهور مصوتين محتمل’.
أنشيء ‘نتيف’ فقط بعد نشوء الدولة، في 1952، بغرض الحفاظ على الصلة بين اسرائيل واليهود الذين يعيشون وراء الستار الحديدي. وعملت المنظمة سرا عشرات السنين بصفتها جزءا من المجموعة الاستخبارية، لكن كان يفترض أن يبلغ ‘نتيف’ نهاية طريقه مع انهيار الامبراطورية السوفييتية وموجة الهجرة الكبيرة التي جاءت على إثر ذلك وانشاء العلاقات الدبلوماسية بين القدس والدول الجديدة، مثل الوكالة اليهودية والكيرن كييمت اللذين أتما في واقع الامر هدفهما التاريخي مع نشوء دولة اسرائيل.
جرت على منظمة ‘نتيف’ سلسلة تقليصات وغطاها خطر الاغلاق منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي. وجاءت النجاة بالاتفاق الائتلافي الذي وقع عليه حزب اسرائيل بيتنا مع حكومة كديما برئاسة ايهود اولمرت في تشرين الاول 2006. فقد طلب ليبرمان الذي عُين لمنصب ‘وزير الشؤون الاستراتيجية’ وحصل على المسؤولية عن ‘نتيف’ مع زيادة كبيرة في ميزانيته والقوة العاملة فيه. ومنذ كان ذلك الاتفاق وفي الفترات التي كان فيها ليبرمان خارج الحكومة لاسباب سياسية وضرورات قضائية، تم الحفاظ على سيطرته على المنظمة. ومع انشاء حكومة نتنياهو الثانية في 2009 عُين ليبرمان وزيرا للخارجية وسيطر على جهازي خارجية: الهيئة الدبلوماسية الرسمية في وزارة وهيئة ‘نتيف’ المستقلة التي يعمل العاملون فيها تحت غطاء دبلوماسي ومن داخل سفارات وقنصليات اسرائيلية في البلدان التي تتحدث الطوائف اليهودية فيها اللغة الروسية. والعاملون في ‘نتيف’ يصرفون امورهم في واقع الامر بلا صلة بالسفراء الرسميين ووزارة الخارجية بل يعملون احيانا من اجل مصالح تخالف اهداف الوزارة.
إن نتيف برغم أنها لم تعد جزءا من المجموعة الاستخبارية لم يفارقها جو السرية، وهي تقلل من نشر اعمالها وما زالت تعمل من مبنى مجهول في جنوب تل ابيب. إن نعومي بن عامي التي تتولى رئاسة المنظمة منذ 2007 قد نشأت في وزارة الخارجية بل عملت سفيرة في اوكرانيا، لكنها كانت ايضا مستشارة ليبرمان في العلاقات الخارجية حينما كان وزير البنى التحتية. ومنذ بدأت بن عامي ولاية منصبها اجتمعت هناك شكاوى من أن طالبي القبول لعمل مبعوث متعلقون بما يشبه ‘ختم الحلال’ الذي يمنح في ‘نتيف’، لكن ‘نتيف’ في واقع الامر هي لعبة ليبرمان وما زالت موجودة بفضل قوته السياسية ولأجله. ويزعم العاملون في المنظمة في الحاضر والمدافعون عنها أنه بسبب لطف العلاقات بين اسرائيل وروسيا والوضع الحساس للطوائف اليهودية في تلك المنطقة كما ثبت مؤخرا فقط في الازمة في اوكرانيا يوجب وجود جسم ذي خبرة ومعرفة خاصة ومنظومة علاقات بالميدان من اجل اعمال حيوية لا يمكن تفصيل الحديث عنها على رؤوس الاشهاد.
‘هذا زعم سخيف’، يرد دبلوماسي قديم ذو تجربة كبيرة في شرق اوروبا، ‘من اجل ذلك بالضبط يوجد دبلوماسيون مختصون وعلاقات سياسية. واذا كانت نتيف متخصصة جدا وعالمة بالحساسيات، فلماذا طرد أكثر من مبعوث لها في السنوات الاخيرة؟ ولماذا يصرون في المنظمة اذا كانت خبرتها متعلقة بالاتحاد السوفييتي السابق، على العمل بين يهود يتحدثون الروسية في المانيا ايضا (وتلك محاولة أفضت الى ازمة دبلوماسية مع حكومة المانيا في 2007) وفي الولايات المتحدة؟’. وقال الدبلوماسي ايضا إن ‘السبب الوحيد لوجود نتيف هو منح ليبرمان موطيء قدم في منطقة حيوية بالنسبة اليه، بواسطة مخصصات وانشطة واشخاص مدينين بمناصبهم له’.
لمنظمة نتيف اليوم عملان محددان وهما الفحص عن استحقاق المهاجرين المحتملين الى اسرائيل في اطار قانون العودة، وإعمال مراكز ثقافية اسرائيلية بين الطوائف اليهودية. ‘هذا يُحدث ازدواجية لا حاجة اليها لأن الوكالة آخر الامر هي الجهة الادارية المخولة والمؤهلة للفحص عن حالة شخص ما للهجرة بفضل قانون العودة. وتوجد ملاحق في السفارات من اجل الدفع بالثقافة الاسرائيلية قدما’، يقول مبعوث هجرة قديم. وقال: ‘إن عدد المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق أخذ يقل، واصبح الحديث أصلا عن مسار هجرة منظم يمكن أن يتم عن طريق القنصليات. إن منظمة نتيف هي فقط جهاز ليبرمان للحفاظ على مصالحه في تلك المجتمعات’.
إن الضغط الذي يستعمل مع ذلك على نتيف لاثبات صلتها بالواقع يجعلها تبرز من الظل مرة بعد اخرى: فتقرير مراقب الدولة يُبين أن المنظمة تتجاوز صلاحياتها غير المحددة أصلا وتقوم بحملات دعاية و’ترويج’ لاسرائيل في البلدان التي تعمل فيها وبذلك لا تخالف منظمة نتيف سائر المنظمات والمؤسسات القومية، وقد أصبحت كلها تحاول في السنوات الاخيرة أن تركب قطار ‘الدعاية’ التي هي الوجه العالمي الجديد للصهيونية.

يريد الجميع أن يصبحوا أبطال دعاية

عقد مقر الدعاية القومي في مكتب رئيس الوزراء في الاسبوع الماضي مؤتمرا غير رسمي للتنسيق بين منظمات يهودية تشتغل بالدعاية لاسرائيل في العالم. ‘جاء ممثلون عن اكثر من 30 منظمة خاصة’، قال احد الحاضرين، ‘فلم يعد يوجد مكان للجميع في الغرفة’. ولكل واحدة من هذه المنظمات متبرعون ‘ثقال’ ومكاتب وفروع في اسرائيل والعالم، وحضور قوي في الانترنت والشبكات الاجتماعية ونية قوية للانتصار في حرب الافكار من اجل اسرائيل والشعب اليهودي.
مع عدم وجود هجرة جماعية الى اسرائيل اصبحت الدعاية هي الشيء الساخن عند المنظمات اليهودية في العالم، وهي حرب للعدو ذي الرأسين، معاداة السامية وسلب اسرائيل شرعيتها. ‘لا توجد حالة طوارىء امنية أو ازمة سياسية، لكن يجب إحداث نشاط صهيوني حينما لا توجد هجرة ايضا’، يقول نشيط صهيوني ذو أقدمية. ‘إن الجميع الآن ابطال دعاية’، يقول دبلوماسي اسرائيلي عمل سنوات في هذا المجال، ‘يجب احداث ازمة جديدة واصبح يوجد سلب الشرعية الذي يعامل وكأنه سيهزم اسرائيل بعد لحظة’.
برغم الشكاوى الدائمة من أن اسرائيل ‘لا تنفق ما يكفي على الدعاية’ لم يكن لاسرائيل قط هذا العدد الكبير جدا من السفراء في العالم واكثرهم يعملون من تلقاء انفسهم. وإن مقدار المخصصات الحكومية للدعاية يحطم ارقاما قياسية في كل سنة، وقد تحولت منظمات كاملة الى مجال الدعاية مثل المؤتمر اليهودي العالمي الذي كان يعمل في الماضي في دبلوماسية صامتة وهو الان يقود حملات دعائية عالمية على معاداة السامية وسلب اسرائيل شرعيتها. وعززت الهستدروت الصهيونية العالمية قسم مكافحة معاداة السامية فيها واستأجرت ايضا مكتب علاقات عامة يحاول اثارة اهتمام الصحافيين بكل شيء حقير ينشر عن اسرائيل في الانترنت.
إن أهمية الحقائق والتناسب تقل في الحرب. ولا تحظى بحوث تشير الى انخفاض معاداة السامية في اوروبا وامريكا الشمالية بابراز، وهناك من يزعمون أن التهديد الذي تتعرض له اسرائيل من سلبها شرعيتها ومن حركة المقاطعة المؤيدة للفلسطينيين بي.دي.اس، قد تم تضخيمه حتى تجاوز كل حقيقة.
إن من يفحص عن الاشياء بمنظار تاريخي يرى انه لم يطرأ أي تغيير الى اسوأ لكن قرب متناول الانترنت فقط يجعل الاشياء تبدو أشد مما هي في الحقيقة.
إن الجدل في ماهية التهديد اختلط ايضا بتداخل الصلاحيات بين وزارة الخارجية المسؤولة الرسمية عن الدعاية الاسرائيلية ومكاتب اخرى تحاول أن تقضم من كعكة الدعاية. في ولاية نتنياهو السابقة كانت وزارة الدعاية برئاسة يولي ادلشتاين تقود النضال وطلبت أن تدفع قدما بخطط في الجامعات في الخارج. وتم وقف المخصصات التي حولت الى هناك في قنصليات وزارة الخارجية وطُلب الى ادلشتاين أن يُشرك ليبرمان. ويزعم نشيط دعاية أن ‘وزارة الخارجية تريد أن يبقى كل شيء عندها ولهذا فان صورة اسرائيل في العالم سيئة جدا. وهم يمنعون موارد لاعتبارات فخامة شأن الدبلوماسيين الذين يريدون أن يبقوا وحدهم’.
إن حامل العلم في الولاية الحالية هو وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينيتس. وقد أعد مدير مكتب شتاينيتس، العميد احتياط، يوسي كوبرفاسر، خطة لمكافحة سلب الشرعية بكلفة 100 مليون شيكل. لكن شخصا من مجال الدعاية في وزارة الخارجية يزعم أن ‘كوبرفاسر لا يفهم أنه يجب الحديث الى الاتحادات والجامعات لا مخاصمة العالم كله، لكنه استقر رأيه على أن الحديث عن مواجهة تهديد وجودي’.
في حين ما زالوا في الحكومة يتخاصمون تعمل على الارض منظمات خاصة تمثل اسرائيل في نظر العالم، في واقع الامر. وتُعرف المنظمات نفسها بأنها مؤيدة لاسرائيل لكنها في الاكثر تحمل صبغة يمينية واضحة وهكذا تنشأ اوضاع تناقضية كالمواجهة التي تمت قبل اشهر معدودة في ‘الرابطة الاسرائيلية’ في اوكسفورد: فقد طردت مجموعة طلاب يهود بريطانيين بدعم من المنظمة المؤيدة لاسرائيل ‘ستاند وذ أس′ من الرابطة الاسرائيلية طلابا اسرائيليين لأنهم عارضوا أن ينحصر نشاط الرابطة في مواجهات مع منظمات مؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي.
ينحصر جزء كبير من نشاط الدعاية في المنظمات المختلفة في مناضلة وسائل الاعلام المعادية. ‘إن اليمينيين فقط مستعدون للقتال’، يقول نشيط يساري صهيوني من بريطانيا في يأس. ‘ليت اجساما مثل سلام الآن وجي.ستريت تكون مستعدة لمحاربة اليسار المعادي لاسرائيل’. ويقول: يسيطر اليمين على جبهة الدعاية واصبح كل شيء عنيفا جدا ومسرحيا. واصبح العالم يعتقد أن اليمين يمثل اسرائيل.

 

معاريف بريس

www.maarifpress.com

يديعوت ـ 5/5/2014

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads