صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

قرية أولاد موسى بِمَدينة سَـلاَ : عُنوان لحياة مُتخَلِّفة بطعم الحكرة

خَلدون المسناوي 


التّجول بِقرية ولاد مُوسى بسلا  وخاصة من لدن الغريب عليها أمر   يتطلب  شيئاً من التوقّد ،فالأقراص المُهلوسة سلعة رائجة بِكثرة بين شبابها  و الجرائم لا حدود ولا  أسباب ثقيلة لها بينهم !, الناس يوميا تزحف إليها زحفا خاصّة بعد العصر ،مِن سلا و مِن خارِجِها. يأتون إلى هنا لأسباب متعددة، مُعظمهم للتسوق و لاقتناء المُخدِّرات. القاصدين حي القرية للتسوّق  لديهم شعور بأنهم سيشترون ما يحتاجونه بأرخص ثمن ممكن ، هُو شُغل  المقهورين   الذي لا  ينتهي ، التنقيب على كسرة الخبز وبالمُتوفر من الدراهم القَلِيلة لَديهم.

شارع مولاي عبد الله هُو   الشارع الرئيسي بقرية ولاد مُوسى، الباعة يفترشون الأرض على طوله وفي الأزقة المُتفرعة منه، ينادون على سلعهم ثم يُتبعون ثمنها. في أغلب الشوارع التي جلناها كثيرون يصيحون بقوة اسم السلعة و  سِعرها, يظل يتردّد على  مَسمعك صدى عباراتهم  كلما بقيت  تتحرك داخل مجال الحيّ وحتّى عندما تغادره لقليل من الوقت  !…

على واجهات شوارع الحيّ يمينا و يسارا    كانت الحوانيت الصغيرة تنفجر بالسلع، وهي في أغلبها ملابس، وأواني منزلية  .  القاسم المشترك بين  المحلات هو، السلع التي يدفقها أصحابُها خارجها، فَهِيَ أكثر بكثير من السلع التي بداخِلها!،الحانوت الذي تبلغ مساحته أربعة أمتار  مثلا ، تتداعى السلع منه   ضِعف مساحته أو أكثر على خارجه في  الطريق، القاطِنون بالعديد من شوارع الحيّ يُوقفون سياراتهم بعيدا عن جنبات رصيف منازلهم  ، شوارعهم مُمتلِئة بالتجارة،إذن لا سيارة و لا شيء غير الدراجات النارية سيسير أو يَتوقّف   على طرقها.

في الصباحات و إلى حدود الرابعة مساء، تبدو الحركة في«القرية» ، بطيئة وثقيلة شيئا ما،المحلات أكثر من نصفها مُوصد،المتسوقون و أصحاب العربات يُحسبون على أصابع اليد. لكن ما إن يأتي العصر حتى تتغلغل بالناس الآتين إليها ويبدأ التلاصق و التدافع بالمناكب .،الناس تعتقد أن السلع لن تجدها رخيصة إلا في المساء ، الكثير من الباعة من أصحاب الحوانيت و الفراشة اعتادوا على هذا الوضع ،لا يباشرون بيع سلعهم إلا مع المساء هم أيضا،زقاق القرية و شوارعها لا تفرغ إلا في الساعات المتأخرة من الليل ،تفرغ طبعا من الباعة و المتسوقين ،و تلك الفئة أيضا من الأشخاص التي  تحترف  تَسديد النظر لحياة السوق و التسوق …

من العجائب الّتِي تصفعُك هُنا، حوانيت تَعرض  سِلعا لا علاقة قائمة بينها.  . على سبيل المثال، حانوت يبيع الملابس وفي الوقت نفسه يعرض الأدوات المنزلية! ،مخدع هاتفي يعرض خدمات الإتصال  تُباع فيه سندويتشات البُوكاديوس ! .مثل هذه المفارقات كثيرة هنا بمحلات الشوارع و الأزقة .

 من الغرائب التي تبت فيك  الدهشة ،انتشار الأحصنة والحمير بِأعداد كبيرة بين الناس،فشوارع القرية ليست للبشر وحدهم،إذا انتقدت  مَشي الدواب مع الناس في الطرقات مع مواطن من القرية, فسيعتبرك إنساناً مُتطرِّفاً!،الأحصنة والحمير تستخدم من لدن الفقراء في العربات المجرورة لنقل السِّلع أو الناس من القرية إلى حي مولاي اسماعيل أو سلا الجديدة من أجل بعض الدراهم.ولذلك فهي للإشارة لها قيمة تضاهي التي للبشر, ولا تسأل أين تنام هذه الحيوانات في الليل،،،طبعاً مع الناس في داخل  منازلهم. 

لا يمكن للوافد على القرية إلاّ  أن يُلاحظ فيها سوقا للسلع دون غير ذلك،”سوق القرية”، وذلك نظراً  لتجارة الفراشة الّتِي تكتسح وتتعمّق بعد وقت وآخر بِجُلّ شرايينها الملتوية. معلوم أن الناس هنا يعيشون تحت طائلة الفقر، و بيع السلع على الأرض هي الطريقة الوحيدة لتوفيرهم تكاليف العيش ،والدولة هنا ماذا عنها، كيف تتعامل معهم،،القياد و المقدمين و القوات المُساعِدة هنا عاجزون عن أي تطبيق للقانون بخصوص منع التجارة الغير القانونية،،إنهم يعون بِعُمق  أن أي منع حقيقي للتجارة الغير المُنَظّمة بالقرية  لن يُولّد إلا غضبا لا يعرف أحد ماذا يمكن أن تكون نتيجته! لاسيما وأن الآلاف من البطون بالقرية  تُملأ من هذه الدينامية التجارية الغير المُهيكلة .

نحن في قِطاع« ماكرو» المجاور للسوبر ماركت الكبير ماكرو ،هذا القِطاع ـ السِّكْتور، يتواجد بالحيّ من بين أكثر من عشرة قطاعات ـ سِكتورات, تُشكل التجمع السكني   ، الذي  يضمّ أزيد من 250.000 نسمة،تعيش في إطار كثافة سكانية جِد عالية وغالبيتها مَحرومة فِكريا و تعليميا  ، هذا القِطاع ذو المساكن المهترئة ،تتوسطه ساحة فارِغة تعتمدها شركة فيوليا  للنظافة كمطرح للأزبال منذ أكثر من 3 سنوات،الشيء الذي يتسبب في انتشار الروائح الكريهة بجزء من السِّكتور إياه،  بشكل يُثير الإستغراب كيف أن أضحت الحالة العادية بالنسبة للناس كما توضح لنا هي استنشاق هذه الروائح.  الساحة المذكورة لا تحتضن الأزبال إلا 5 ساعات في اليوم بعد تجميع أزبال القطاع ووضعها فيها قبل تنقيلها ليلاً إلى خارج القرية.. المدة الزمنية التي تُطرح فيها الأزبال كل يوم ولو بشكل مؤقت، كفيلة بإدخال  السكان  الذي تستدير منازلهم الأرض التي أتت عليها، في مسلسل من المشاكل  الصحية المتعلقة بالتنفس…

الخِدمة الصحية في الحي ،تتجسد في مركزين صحيين ،الأول تابع لوزارة الصحة و الثاني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية،،،قبل 4 سنوات زُوِّد المركز الصحي الأول بتجهيزات طبية سُرقت مِنه كما تحققنا من ذلك و كما تشهد على ذلك وَلحد الآن النوافذ الزجاجية المكسرة في واجهته الورائية،التجهيزات الطبية التي تخُصّ بالتّحديد توليد النساء،جُهز بها المركز من أجل توفير خدمة توليد النساءلأمهات الحي تجاوزا لاضطرارهم الذهاب إلى مستشفى المدينة،الأمير مولاي عبد الله .  تبعاً لذلك  سوف تُغلق حتّى القاعة التي كانت مخصصة للتجهيزات إياها داخل المركز  بسبب سرقة التجهيزات التي فيها ،،،عُموماً يكفيك من خلال  المركزان الصحيان اللذان تكشف أول النّظرات إليهما عن عُمق وضعهما  حيال المواطنين و بتنسيق ذلك مع تلك العشرات من الوجوه المهمومة  التي صادمتك!،أن تسطع في ذهنك كل المعاني العميقة عن الحالة الصحية للإنسان بقرية ولاد مُوسى.

بالقرية، سوق منظم واحد ، مغلق لما يزيد عن الثلاث سنوات ،الباعة اللامُنظمون الذين يجولون شوارع الحي و يضعون سلعهم على الأرض يرفضون الولوج إليه،رُبما يُفضلون تكاليف “الحلاوة” لأعوان السلطة على تكاليف كِراء موضع البيع بداخله، فرُبما ثمن كراء موضع البيع داخل السوق  المنظم سَيكون أكثر من ثمن الحلاوة!، وربّما السوق المنظم إياه الذي يُجاور مجمع بئر إنزران السوسيوـ تربوي مُنعزل عن الحركة، زِد على ذلك واقع  أن السلع بالقرية الشعبية, تنفذ  أكثر في البيع إذا ما عُرِضت على الأرض وسط الزحام من إذا عُرضت في غير كذلك مكان. السلطة في كل ذلك نقول، مثلها مثل الباعة” تتحمس للحلاوة, أكثر ما تتحمس لتطبيق القانون”

 مُجمع إنزران السوسيوثقافي الذي بني  في إطار المبادرة الوطنية  قبل أكثر من سنتين والذي فُتح لأبناء الحي قبل شهور قليلة،مُبادرة إيجابية على مستوى المبدأ،النزعات الحيوانية تنفجر في صُور متعددة بالحي الذي يخلو من الثقافة ،.فالغالبية لا تستمر في الدراسة  إلى المستوى الثانوي ودار الشباب الوحيدة لا يمكن أن تستوعب شباب الحي الكثير جدا، و جمعيات الحي غير مُنفتِحة ،على أنّ هذا المُجمع ليس غير كافٍ على صعيد التجهيزات لاستيعاب الكَثير من الشباب بالحي ،  لاَ ،بالعكس إنه مجمع يضم أفضل القاعات الرياضية و التّرفيهية و مِساحته لا بأس بها اتساعا و موقعه أيضا المُطِل على مِنطقة الشعبة  الخضراء و الهَادِئة  جيد من الناحية الصحية،،، ولكن وَ لْندع رجال السلطة بجماعة القرية هم أنفسهم يُجِيبوننا،،لماذا المُجمّع “رغم تجهيزه المتطور و قوته الإستِيعابِية التي يمكن أن تُقدم الكثير” يوجد في واد , وشباب الحي يوجد في واد آخر،”أُوهُوو”,لماذا الكثير من الفتيان يُشاهدون في شوارع القرية يعصرون سائل النورلاتكس داخل أكياس بلاستيكية  يحملونها معهم ويشرعون في استنشاق المواد السامة عبر فمهم على الرغم من أن هناك مجمع  بينهم قادر تجهيزيا على تقديم الأكثر بكثير في التأطير الثقافي مما  يقدمه الآن،لماذا يا عالم هناك “مجمع” تربوي ” قدّو قدّ السخط”  بقرية ولاد موسى وليس هناك تربية بها؟!!!

تخلّف كبير  ذلك الّذي يتخبط فيه تَجمّع قرية ولاد مُوسى بِمدينة بسلا ، تخلف، يتمظهر  في الفوضى المنتشرة بلا حدّ ، و ضياع مُستقبل« فئات عريضة من الشباب»، و يؤشّرضِمنِياً، لِغياب الكفاءة في التّدبير السياسي المحلّي، إنّه تخلف عميق  يعكس الإنتشار القوي للمشاكل ذات الأبعاد الإقتصادية والإجتماعية  والتربوية التي  أرهقت سكان الحي إلى الحدّ الذي  تلاشت فيه كلّ أمالهم و أحلامهم,أيّة أمال…, الأمال و الأحلام التي اختارت معهم  طريق أن تندثر وأن تتبدد وأن تختفي بلا رجعة.

www.maarifpress.com
تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads