صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

اليكس فيشمان :لا نستطيع ان نسمح لانفسنا باضاعة الفرصة من جديد

فشلت الادارة الامريكية من قبل مرتين، فشلا ذريعا، في محاولتها وقف تطوير سلاح ذري في دول ذوات نظم حكم عسكرية واستبدادية. وفوتت فرصة توقع حصول باكستان على القدرة الذرية في منتصف التسعينيات ولم تنجح في منع تحول كوريا الشمالية الى قوة ذرية في مطلع الألفية االثالثة. وفي الحالتين عرفت الولايات المتحدة بمسارات التسلح هذه وتابعتها على نحو وثيق. وقدرت قدرة الانتاج، وحسبت كمية المادة المنشطرة وعدت المنشآت والصواريخ ورؤوس الصواريخ، لكنها فشلت في وضع يدها على نقطة اللاعودة. وكذلك لم تساعد عقوبات اقتصادية وسياسية فرضتها.
في مباحثات أجراها عناصر من الادارة مع مسؤولين اسرائيليين كبار أوحوا آنذاك بثقة بقدرتهم على معرفة متى تتحول المشروعات من مرحلة التطوير الى مرحلة انتاج نظام السلاح الذري. وهدأوا النفوس بقولهم: حينما يحدث هذا سنصدهم. لكن في 2006 نفذت كوريا الشمالية أول تجاربها الذرية بلا تشويش وكان معنى ذلك أنها تجاوزت كثيرا نقطة اللاعودة. وأصبحت باكستان دولة ذرية في 1998. وفي الحالتين اعترفت الولايات المتحدة بالفشل، ولا يوجد أي سبب في العالم باعتقاد ان ايران لن تكون اضاعة فرصتها الثالثة.
في القيادة السياسية الاسرائيلية العليا لا يعيشون في أوهام. ويقولون هناك انه يوجد أكثر من احتمال معقول لأن نبلغ وضعا نضطر فيه الى ان نبت، بأنفسنا ولأنفسنا، متى تحين تلك اللحظة الحاسمة في ايران. واسرائيل لا تستطيع ان تسمح لنفسها باضاعة الفرصة الاخرى فالامر ليس في الشرق الاقصى بل هو عندنا هنا في الحي.

زادت الميزانية بـ 2.5 ضعف

قُدم تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي نشر هذا الاسبوع باعتباره وجبة شعيرية باردة. وهو يقول للعالم أين وقفت ايران في المجال الذري العسكري حتى أواخر العقد السابق. وورد في التقرير ان للوكالة الدولية للطاقة الذرية جميع الاسباب لتفرض ان التطوير استمر ايضا في السنين التي تلت ذلك. ومعنى هذا ان الجمهورية الاسلامية قد قامت في هذه المدة الزمنية بقفزة الى أعلى نحو استكمال المشروع. وقد سمى رئيس الموساد السابق مئير دغان سنة 2015 موعدا تبلغ فيه هذه النقطة. ويبدو اليوم بعد التقرير انه كان متفائلا كثيرا.
الى ما قبل سنة أمسكت واشنطن والقدس بساعتين مختلفتين في القضية الذرية الايرانية. حتى ان الامريكيين كانوا آنذاك أكثر تفاؤلا من دغان لكن الساعتين اليوم تجريان بحسب زمن اسرائيل. وتشخيص الوكالة الدولية للطاقة الذرية يقبله الطرفان، والفرق الآن هو في سؤال أية طريقة علاج يؤخذ بها. فالولايات المتحدة تؤيد توجها محافظا، أما الطبيب الاسرائيلي فلا يريد كما يبدو ان يلتزم لها ألا ينفذ جراحة طارئة في موعد يراه صحيحا. وهذا يضغط الامريكيين: فهم يرون غرفة الجراحة والأدوات المنثورة على المائدة، ويعرفون قدرات الجراح، ويستطيعون من التاريخ المشترك ايضا ان يفترضوا انه قد يكون غير متوقع.
لا عجب من ان شعورهم هو بأنهم أخذوا يفقدون السيطرة على اسرائيل التي قد تجرهم الى اجراءات لا يريدونها. ان وسائل القتال التي تشتريها وزارة الدفاع اليوم من انتاج الولايات المتحدة خاصة، مخصصة في جملة ما خصصت له لاصابة أهداف في مدى بعيد. وقد أبلغت وسائل الاعلام أن واشنطن زودت جهاز الامن بقنابل لاختراق الملاجىء تحت الارض العميقة. وتشتري اسرائيل منها طائرات اف 35 المعدة لهذه الأهداف فقط.
تُبين زيارة لخط انتاج طائرة هيركوليس في مصانع لوكهيد مارتن في أتلانتا ان اسرائيل اشترت ايضا طائرة نقل متطورة جدا. ليس فقط ان طرازها الجديد من نوع سي130جي، مزود بنظم اتصال والكترونيات خاصة بل انه قادر على المكوث في السماء نحوا من 15 ساعة. ورُكب على الطائرة نظام تحكم ورقابة بحيث تستطيع ان تكون موقعا جويا لنشاطات في عمق العدو. وفي المقابل تشتري اسرائيل من المانيا غواصات متقدمة وتنتج طائرة بلا طيار ذات حجم ضخم اسمها ‘ايتان’. وهذه الطائرة بلا طيار قادرة، على حسب أنباء منشورة اجنبية، على ان تحمل محل بعض الطائرات التي تحمل طيارين والتي تعمل على جمع المعلومات الاستخبارية والحرب الالكترونية.
والواقع ان اكثر المساعدة الخارجية لاسرائيل أو كلها مصروفة الى شراء طائفة من أدوات الجراحة التي يعرفها الامريكيون جيدا. وتعلم الولايات المتحدة بالضبط ما الذي باعتنا إياه وما الذي ستبيعنا إياه بعد. ويجب ان نضيف الى هذه المعطيات حقيقة ان ميزانية الموساد و’الشباك’ في العقد الاخير زادت بـ 2.5 ضعف. وفي موضوع الشراء، يعارض الامريكيون ادخال تقنية اسرائيلية في مجالات الالكترونيات مثل تركيب جهاز رادار من انتاج ‘ألتا’ على طائرات حربية قديمة للجيش الاسرائيلي بدل الرادار الامريكي. والحديث عن طائرات اف 15 التي تم استيعابها حتى مطلع الثمانينيات ويحتاج الى تحسينها من آن لآخر للتمكين من استمرار خدمتها.
ان مجال الرادار هو في واقع الامر الوحيد الذي لا تُمكّن الولايات المتحدة من تركيب نظم اسرائيلية في الطائرات. والاصرار على إبقاء رادار امريكي في طائرة عمرها ثلاثون سنة، لا تنوي اسرائيل ان تبيعها لدولة ثالثة، يبدو غريبا اذا لم نشأ المبالغة. ومهما يكن الامر فان اسرائيل شفافة جدا للعيون الامريكية، فالادارة تعرف قدراتها وربما هي قلقة كثيرا من اجل ذلك.

روسيا بدور روبرت كنيدي

تتمسك الاستراتيجية الأساسية في حكومة نتنياهو باراك بالتصور الامني الأصلي وهو ‘حروب لا مفر منها’. أي أننا نخرج الى معركة فقط حينما يكون السيف موضوعا على الرقبة. وحينما يكون الحديث عن حرب تقليدية يكون من السهل نسبيا ان نلاحظ هذا الوضع، فهناك استعدادات وحركات آليات وهناك أوامر عسكرية.
ويكون الامر أكثر تعقيدا في مواجهة تهديد قدرة ذرية محتملة. اذا كان يُخيل لشخص ما ان مرحلة التجارب الباردة أو الساخنة للقنبلة هي المرحلة التي تشهد على قدرة ذرية فانه مخطيء. فحينما يحدث هذا يكون معناه أننا تأخرنا عن القطار ويشير تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى ان ايران قد نفذت سلسلة تجارب.
تفحص الجهات المختصة في العالم عن ايقاع سير تخصيب اليورانيوم وكم من المادة المخصبة جمع الايرانيون حتى اليوم. ومن المؤكد أنهم يفحصون عن عدد آلات الطرد المركزي ويحاولون ان يحسبوا متى تستطيع ايران ان تجعل المادة التي تم تخصيبها بدرجة منخفضة مادة مخصبة بدرجة عسكرية. وتستطيع هذه المعطيات الى جانب عناصر اخرى ان تساعد على صوغ تقدير كم من الوقت بقي حتى تبلغ الى نقطة اللاعودة.
ومن وجهة نظر اسرائيل فان نقطة اللاعودة هي في واقع الامر نقطة مرنة، حركوها مع السنين مرة بعد اخرى. ففي البداية كان الأجل المسمى هو اللحظة التي يُبدي فيها الايرانيون علامات اولى على امكانية انتاج قدرة ذرية عسكرية. بعد ذلك دحرجت كل حكومة الوديعة الى الحكومة التالية وتم تجاوز الخطوط الحمراء السابقة وحددت كل حكومة خطا احمر جديدا. وكانت النتيجة ان نقطة اللاعودة الاولى لم تعد موجودة منذ زمن وأصبح أشد تعقيدا اليوم علاج ‘المشكلة الايرانية’ مما كان قبل عشر سنين.
تقول الرواية الرسمية انه ما يزال يوجد مجال تنفس ما غير كبير لكنه موجود. قد يكون سنة وقد يكون سنة ونصف سنة. ومع ذلك هناك من يقولون اننا ربما تأخرنا. فللايرانيين مشروعات سرية ونحن لا نعلم كل شيء. في المدة القصيرة التي ربما بقيت يحاول كل واحد من اللاعبين ان يكسب شيئا ما وهذا لا ينجح دائما. ان محاولة ايران الفاشلة لاغتيال سفير السعودية في واشنطن مثلا تشهد على ذعر. وكانت تلك محاولة غير مرتبة لتهديد السعوديين ولردع الامريكيين وانتهت الى كارثة بالنسبة لطهران. تم الكشف عن المؤامرة. وزاد الشقاق بينها وبين الدولتين عمقا.
تستغل اسرائيل هذه الفترة لتنسج سيناريو يُذكر بازمة الصواريخ في كوبا في الستينيات. وهي تطمح الى انتاج تهديد عسكري مفرط كي تضطر الجانب الثاني الى الكشف عن أوراق اللعب واتخاذ قرارات. فالحكومة تؤدي الدور الذي أداه 100 الألف من جنود المارينز الذين مكثوا على حاملات الطائرات على سواحل فلوريدا وانتظروا الامر العسكري.
وكما كانت الحال في تلك الازمة يفترض ان تعمل في هذا السيناريو على التوازي ذراع ضغط سياسي من اجل تمكين الطرف الثاني من النزول عن الشجرة. وهذا الدور الذي أداه في ذلك الوقت شقيق الرئيس جون كنيدي، روبرت، تؤديه اليوم تركيا وروسيا والولايات المتحدة ايضا على نحو غير مباشر. فهي تتحدث مع الايرانيين.

لم يعودا مجنونين

هناك خطر في لعبة البوكر التي تلعبها اسرائيل. لأنك اذا كنت تنشىء تهديدا ولا تنوي تحقيقه، فقد تجد نفسك أضعف كثيرا مما كنت في البداية. حتى ان مط الحبل قد يجعلك تواجه ردا غير متوقع من العدو. لكنه ما يزال يوجد فرق جوهري بين ازمة كوبا والازمة الحالية لأنه لا أحد يمضي في الحقيقة هذه المرة حتى النهاية. ان كنيدي في زمانه رفع مستوى الاستعداد الذري الى الذروة على نحو معلن. واليوم اسرائيل تُبرز عضلاتها لكنها تنكر في نفس الوقت هذا النشاط الرياضي.
ان الحوار الذي يجريه الروس ايضا مع نظام الملالي ليس صارما على وجه خاص حتى ان العقوبات الثقيلة التي تتوقع اسرائيل ان يقودها الامريكيون مشكوك فيها. فالولايات المتحدة لا تهب مثلا الى فرض حصار بحري على الاقتصاد الايراني. فهي لم تفعل هذا حتى اليوم ولا سبب يدعوها الى تغيير رأيها الآن. لكن في عيون محلية تقتضي المدة القصيرة الباقية تنفيذ اجراءات حاسمة مثل وقف نقل الوقود من ايران والاضرار بالتجارة الخارجية بواسطة تقييد المصرف المركزي في طهران.
والمشكلة هي ان فرض عقوبات على تصدير الوقود الايراني يعني ارتفاع اسعار البنزين في العالم ارتفاعا كبيرا ولا يحتاج الاقتصاد الامريكي، ولا الاقتصاد الاوروبي المتعثر، بيقين، الى هذه الضربة الآن. هذا الى ان الادارة في واشنطن لا توافق على التضحية باحتياطيها من النفط لاغراق السوق وخفض الاسعار. فهذا الاحتياطي هو ضمان الولايات المتحدة لمستقبلها الاقتصادي ولن تتخلى عنه حتى لو كان ذلك مؤقتا من اجل أية ازمة في الشرق الاوسط.
ان ما يفعله الامريكيون هو اقناع السعوديين بزيادة انتاج الوقود في مجالها. والمملكة المجاورة تعمل بحسب ذلك في الحقيقة لكن لا في مستويات تُسكّن ظمأ امبراطوريات كالصين للبنزين. لهذا فان التقدير هو ان حصارا بحريا لا يؤخذ في الحسبان. ومع ذلك من الممكن جدا ان تكتفي الولايات المتحدة بمعاقبة شركات دولية تزود طهران بمكررات الوقود. وفي المقابل تستعد لنشر قوات عسكرية في امارات الخليج الفارسي بقصد ردع الايرانيين ولتكون قاعدة للمدد الحربي زمن الطوارىء.
تدرك اسرائيل، مثل سائر دول المنطقة انه في اللحظة التي تمتلك فيها دولة الاستبداد الاسلامية قدرة عسكرية ذرية، فان تركيا لن تستطيع البقاء غير مكترثة وستنتج قنبلة لنفسها. والسعودية من جهتها يتوقع ان تشتري لنفسها واحدة من باكستان، ولن تبقى مصر ايضا متنحية اذا أرادت الحفاظ على مكانتها في المنطقة. وهكذا ستجد اسرائيل نفسها في شرق اوسط ذري يُضيق قدرتها على المداورة تضييقا شديدا الى درجة الخطر على بقائها.
وفي اليوم الذي تمتلك ايران فيه قنبلة كيف سترد الحكومة بالضبط على هجوم صاروخي تقليدي لحزب الله؟ هل تستطيع ان تسمح لنفسها بأن تهاجم بيروت بصورة حرة؟ فماذا لو استقر رأي جمهورية خامنئي على ان تنقل الى المنظمة الشيعية سلاحا ذريا تكتيكيا واستعملته على الحدود الشمالية، ماذا ستفعل اسرائيل آنذاك بالضبط؟ وكما ان واشنطن حذرة في سلوكها مع كوريا الشمالية ستضطر اسرائيل ايضا الى ان تحسب خطواتها بحذر بالغ منذ تلك اللحظة.
ان تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا يؤثر حقا في سلوك وُلاة الامر في اسرائيل. فهم يعلمون الحقيقة أصلا. لكن له أهمية في إحداث رأي عام هنا وفي العالم من اجل زيادة شدة الخطوات على ايران. أقامت جهة موضوعية دولية هذا الاسبوع أمام مواطني اسرائيل مرآة تقول: أنتم تقفون هنا وهذا هو الواقع. لم تعد هذه أحاديث مجردة من رئيس الموساد السابق الذي يعرض باراك ونتنياهو على أنهما مجنونان يقودان الجمهور الاسرائيلي الى محرقة. فهذه معضلة حقيقية قد تكون من أصعب ما واجهت اسرائيل منذ نشأت وهي: كيف نحيا تحت تهديد ذري، وهل يمكن إزالته. وما هو الثمن الذي يكون المجتمع مستعدا لدفعه عن ذاك إن احتاج.

يديعوت 11/11/2011

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads