صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

رأي المواطنة من العولمة






بقلم : محمد حسيكي

المواطنة اصطلاح تجنسي يربط الفرد بالمجتمع، والتجنيس الدولي يربط الدولة بالوسط العالمي، وهو هوية الفرد الاجتماعية وشخصية المجتمع الدولية وللتجنيس شروط وطنية، أو مكتسبة من مقاييس قانونية محددة ومقبولة، وفي عصر الانفتاح الدولي تجاوز الفرد حدود المواطنة الطبيعية وأصبح يستوطن ويتجنس، أينما وجد الحياة التي تليق به من المجموعة الدولية، مما يكسبه تجنسا مستعارا ومواطن احتياطية، إذ قفز التجنيس بالإنسان من مواطن طبيعية، إلى مواطن الاختيار الذاتي، مما يكسبه الشخصية الحرة كالإنسان الطائر المهاجر في عهد العولمة الأممية .
وهذا يعني أن عصر غزو الفضاء، قد يطالعنا يوما بالإنسان القمري، والإنسان الشمسي، والإنسان الترابي، لا يختلفون من فصيلتهم البشرية ، وإنما من جاذبيتهم الكونية .
وقد كانت المواطنة لفترة ما بعد الحرب العالمية الأخيرة، الشغل ألأممي المنشود من المجتمع الدولي، مما دفع إلى ظهور حركات وطنية للتحرير من الهيمنة الاستعمارية، والمطالبة بالحق الاجتماعي في الوسط ألأممي، الذي يضمن للفرد حق المواطنة من الحقوق الاجتماعية، وحق السيادة من الحقوق الدولية، وحق العضوية بين المجموعة الأممية .
وقد ساهم في تنشيط هذه الهوية الوطنية والدولية، بعد الحرب العالمية الأخيرة، انقسام العالم إلى معسكرين
معسكر شرقي : قاده وطنيون قوميون وعمال تحرريون، من هيمنة المؤسسة الاستثمارية المجهولة الاسم، لفائدة المؤسسة الاجتماعية التي أسست لها النظريات العلمية، من اعتبارية حقوق العنصر البشري .
وهكذا بنيت هاته النظريات على الواقع المادي الاقتصادي، الذي يقوم على القوة الانتاجية، من جهد العمال الهادف إلى التسيير الذاتي، وقيام سلطة عمالية، بديلة عن سلطة الفرد، من سلطة الفرق السيادية المهيمنة على المؤسسة الرأسمالية، المجهولة الاسم .
معسكر غربي : قاده رجال المؤسسات الاستثمارية، في المال والأعمال، من أراضي ما وراء البحار، والتي خرجت بالبشرية من عهد العزلة الطبيعية والاستعباد، إلى عهد الاستعمار والحرية والاستثمار .
وقد تولد عن الصراع بين المعسكرين ظهور العالم الثالث، في شكل منظم حمل اسم :
عالم عدم الانحياز : نشأ هذا التنظيم الثالثي، من تمثيلية زعماء الحركات الوطنية للمجتمعات المستقلة من السلطة الاستعمارية ومن الصراع بين المعسكرين .
ومما أعقب نهاية الحرب العالمية الأخيرة كذلك، ظهور صراع استراتيجي وسباق نحو الفضاء بين المعسكرين، أدى إلى مراجعة فكر الأممية، بنهاية عصبة الأمم، وحلول هيئة الأمم المتحدة التي جعلت من مبادئها تحقيق السلام العالمي بالساحة الدولية، ونشر مبادئ التعايش السلمي بين المعسكرين، متعظة من الضربة النووية التي أنهت الصراع من مواجهات الحرب العالمية .
بعد نهاية هذه الحرب الأخيرة، نزلت الولايات المتحدة الأمريكية، متزعمة المؤسسة الاستثمارية، بثقلها الاقتصادي في أوروبا وخصت المعسكر الغربي ب “مخطط مارشال” الاقتصادي لإعادة تعمير أوروبا الغربية، ولم تستثنى من ذلك إيطاليا ولا ألمانيا، مما أفضى الى نهاية عهد الحرب، وبداية عهد السلام ألأممي .
أما المعسكر الشرقي فقد عض على مكاسبه الأممية بالنواجد، وتبنى سياسة عمالية، تعتمد الفكر المادي والمجهود الذاتي، والعمل الجماعي، والاهتمام بالأساسيات والرفع من المعنويات لإبراز الشخصية العمالية في البناء المجتمعي، وإثبات مكتسباتها الاجتماعية ومكانتها الوطنية، مما أكسبها الشخصية الدولية، أمام المؤسسة الاستثمارية، في تجلياتها الاحتفالية بالساحة الدولية، من عيد الشغل الذي اكتسب يوم فاتح ماي – كرمز دولي للأممية، على الصعيد العالمي .
ومن هنا اتسم الفكر الشرقي، واندمج معه الفكر الغربي في النزعة الحقوقية الجماعية، التي اعتمدت حقوق الانسان، قيمة معيارية نحو نهج الأممية، من منهجية تقنية متسارعة الإنتاج والتطور، بذل نظرية الصراع والاستبداد.
أما الأوربيون فإن نزعتهم نحو الفردية المتشبعة بقيم البورجوازية الغربية، والاغتناء من استلاب المؤسسة، وضعتهم موضع شراكة سياسية وتلاقي اقتصادي مع الأمريكيين من أرضية المجتمعات الهشة بالبلدان النامية من العالم الثالث، وهو ما جعلهم يختلفون مع الشرقيين الذين دعموا في جهات من العالم سياسة تأميم الثروات الاقتصادية والمنافذ البحرية، الوتر الحساس للرأسمال الغربي، وإن كان الحوار الاستراتيجي يسمح بفرص للتوافق بين القطبين، ونزع فتيل المواجهة الساخنة في العديد من مناطق العالم، ذات البعد الاستراتيجي .
وهكذا وازن الأوربيون في علاقاتهم مع المعسكرين بين المبادئ السياسية ذات التوجه الديمقراطي الشرقي المتأقلم مع الخاصية الدولية للشراكة في الحكم، ومبادئ الحرية الاقتصادية المتوازية المصالح، بتبنيهم نظرية المؤسسة الاقتصادية الجماعية، انطلاقا من نظرية السوق الاقتصادية الأوربية، وتفعيلها في مجموعة السوق الأوربية المشتركة، كقوة اقتصادية موازية لحجم المؤسسة الأمريكية وترجمة آلياتها في فاعل سياسي دولي، للوحدة الأوربية، ولدعم العلاقات الزبونية مع الخارج .
أما المعسكر الشرقي فقد سار في نهجه السياسي والاقتصادي بخطى متوازنة من أجل الوفاق الدولي، حدا بالصين الشعبية إلى الانفتاح على الولايات المتحدة في قفزتها الاقتصادية، بتوجهات حيادية من الصراع، للقفز بالإنتاج من الاكتفائية، إلى التنافسية الدولية
بينما الهرم الروسي انجذب من الوفاق الدولي نحو أوروبا، بعد خيار نهاية الصراع مع المعسكر الغربي، والتسليم بالوحدة الألمانية.
وقد أدى هذا التحول الدولي، إلى نهاية الصراع بين المعسكرين، ولاح في الأفق بوادر ظهور سياسة وفاق جديدة، تبني وتجدد المجتمع العالمي من باب العولمة الأممية .
وهكذا فإن العولمة من الوجهة الأولية، نهج سياسي أممي بآليات دولية، واقتصادي عولمي من طينة فضائية، نجمل الرأي منه في الرفع من مستوى الحكم في الدولة، من مستوى نظام : Régime إلى مستوى كيان Système، يؤسس للانفتاح ألأممي على العوالم الأخرى من نافذة الفضاء الأممي المعولم ، الذي يسعى أن يخرج المجموعة الدولية من عصر حضارة الصراع، إلى عصر حضارة السلام والوئام البشري .

 

www.maarifpress.com

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads