صحيفة إلكترونية استقصائية ساخرة
after header mobile

after header mobile

دور اليسار و مستقبله مرهون بالكفاح من أجل الكرامة و العدالة والمساواة

 

1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
 في الواقع اختلفت المشاركة هذه بحسب البلدان، أي بحسب المجال السياسيّ و طبيعة النظام والسلطة والقوى الاجتماعيّة والسياسيّة؛ ففي تونس كان هناك دور معروف لبعض النقابات والجمعيّات كـ”الاتحاد العام للشغل” مثلاً. في مصر كان هناك دور نشط للحلقات والقوى الشبابية التي تشكّلت في السنوات الماضية وبعض الأحزاب السياسية التي كان لها دور في الإبقاء على معارضة مصريّة سياسيّة وحقوقيّة لنظام حسني مبارك. لدينا في سوريا الانتفاضة عفويّة إلى حدّ كبير، أي لا تقف وراءها قوى منظّمة بعينها. أما النقابات في سوريا فهي جزء من الجهاز التأطيري للمجتمع، أي تحصينه من السياسة والمطالب والاحتجاج، أي عكس ما هو متوقع من اسمها. صحيح أن لنشطاء سياسييّن، من بقايا الوسط النخبويّ المعارض الذي تعرض لسحق فظيع من السلطة، ونشطاء من المنظمات المعنيّة بحقوق الانسان والمبادرات المستقلّة، لها وجود ملحوظ في الانتفاضة السورية سيما في الترويج الاعلاميّ والسياسيّ، لكن الانتفاضة شعبيّة-عفويّة إلى حدّ كبير..  ليس هذا بالشيء المفرح كثيراً بالطبع، بالنسبة لي على الأقل. لكن هذا هو واقع الحال. فوجود قوى سياسية متمرّسة وراء الحراك الشعبيّ، إن لم تكن أمامه ، كان لها أن تركّز الجهود بشكل أكبر في سبيل تحقيق أهدافه التي تتلخّص بالكرامة والحريّة. والتخفيف من التضحيات الهائلة المترتّبة حتّى الآن، و بالتأكيد كان لها أن تخفّف من الأخطاء الجانبية الحاصلة في سياق الانتفاضة وتلك المحتملة من جرّاء حراك شعبي عفويّ يواجه آلة عملاقة من القتل والتدمير والإذلال. السبب طبعاً ليس خافياً على كل متابع للشأن السوريّ؛ فالسلطة الديكتاتورية في دمشق قضت على كل معارضة موجودة وسحقت نويات ومشاريع المعارضة من أيّ لون.


2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟

بالتأكيد.على أن الاستبداد أضعفَ جميع القوى السياسيّة والاجتماعيّة وليس اليسارية والديمقراطية وحسب. لدينا في سوريا قمعٌ معمّم طال الجميع. اغتيلت السياسة تماماً وتم إبطال فاعلية من لم يمت تماماً فيزيائياً عبر تشكيل ما سمي بـ”الجبهة الوطنية التقدمية” التي هي المسمّى “الشرعيّ” لغياب الأحزاب والتعددية الحزبيّة والاستلحاق بالسلطة من موقع التابع وليس المشارك أو المساهم الصغير حتّى. و “الجبهة” العتيدة هذه، بمناسبة الحديث عن القوى اليساريّة، تضمّ أكثر القوى المنتسبة لليسار في سوريا!! وهذا ما يعني أن بعض اليسار قد ارتضى الالتحاق بأكثر النظم استغلالاً وتهميشاً و ظلماً. هذا ما يؤدي بنا القول إلى أن مسألة العقائد الايديولوجيّة المعنلة ليست  عنواناً أو ممرّاً إجبارياً لموقع مماثل في الواقع الملموس، أي في السياسة والمجتمع.

 

3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
 صيغة السؤال تقول نعم. وأنا أقول من المحتمل. لكن كل القوى أمام اختبار جديد ومعركة دائمة. هذه هي الديمقراطية التي بديلها هي الاستبداد والقمع والإقصاء. أن تكون حظوظ القوى اليسارية قليلة بالمقارنة مع تلك الإسلامية مثلاً فهو يرتّب أعباءً كبيرة على ما تبقّى من يسارييّن حقيقييّن في بلداننا بعد انهيار المنظومة الاشتراكية التي كانت السند الايديولوجي والرمز السياسي لليسار في منطقتنا. 

 

الانتفاضات الحاصلة بمجرد إطاحتها بالنظم القمعيّة والشموليّة المستولية فتحت المجال السياسي على جميع المواطنين للمشاركة السياسية والاهتمام بالشؤون العامة و الاحساس بقيمة الصوت الاحتجاجيّ أو الانتخابيّ فيما بعد. على هذا الأساس دخلنا من مرحلة اسقاط السلطة الحاكمة إلى مرحلة طويلة ومعقّدة هي بناء الديمقراطية وبناء الدولة، وإعادة الاعتبار للسياسة.

4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
 أرجح أن الاحزاب اليساريّة المتبقيّة لن تقدر على لعب دور مميّز في الواقع الجديد في المدى المنظور.وهذه مسألة محليّة و إقليميّة وعالميّة؛ رغم أن المجال فتح للجميع، ورغم أن هناك انتعاش عالمي نسبيّ لحركات اليسار الجديد في سياق العولمة و الأزمات الاقتصادية العالمية وهناك عودة لدراسة ماركس مثلاً..

 

 في كل الأحوال ينبغي الانخراط في مشكلات الواقع المعقّد وعدم الاكتفاء بذمّه( أي الواقع) والبكاء على ماضٍ ورديّ، أو الاستسلام للواقع غير المُرضي والقول بأن شعوبنا لا تتقبّل سوى القوى الاسلاميّة والدينيّة والطائفيّة. أمام اليسار اختبار كفاح عمليّ كي يثبت جدارته. لكن في نفس الوقت يطلب من القوى المنسوبة لليسار إجراء مراجعة عميقة لماضيها ولدورها وإمكان تعزيز مكانتها. المراجعة تكون فكريّة ونفسيّة وسياسيّة وتنظيميّة. سيما وأن اليسار التقليديّ عندنا بقي في حدود اجتهادات فكرية ضيّقة أو غائبة. المواضيع المطروحة للتجديد عديدة ومنها ذات طبيعة مجتمعيّة ونضاليّة وأخرى معرفيّة فكرية.

 

5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟

 

ألاحظ أنّ الأسئلة عموماً تدور حول نقطة واحدة وبصيغ متعددة تقول كلّها أن اليسار وحده من وقع عليه الظلم وإن هناك موانع مخصوصة وغيبيّة تحجم اليسار عن لعب دوره المفترض. وتوحي الأسئلة أكثر أنّ اليسار هو محور السياسة والمجتمع في بلداننا. أو من المفروض أن تكون كذلك. الواقع ليس كذلك طبعاً فلا “اليسار” هو يسار واحد( وكما نوّهنا أن بعضه التحق بأبشع النظم استغلالاً واضطهاداً) ولا هو محور السياسة كما توحي الأهمية التي أوليتموها في الأسئلة المطروحة بمعزل عن الوضعيّة السياسيّة العامة ومأزق المجتمعات والدول. نحن أمام مرحلة جديدة في تاريخ بلداننا. هي فتح المسرح السياسيّ للجميع. وعلينا القول أن مجتمعاتنا ودولنا في أمس الحاجة لتيارات وأفكار وطنية ديمقراطية غير ذات طبيعة إيديولوجية لأن مشكلاتنا ليست إيديولولوجيّة أساساً بل تتصل بنمط ممارسة السلطة والسياسة تحديداً، وواقع التمييز والاستغلال والظلم. القليل من مشكلاتنا تاريخيّ أو إيديولوجيّ.

 

“الجبهة” التي تشير إليها في السؤال( وليس من الضروري أن تكون بالاسم الذي اقترحته) يجب أن تكافح عملياً من أجل القضايا المركزيّة التالية: العدالة والمساواة والمواطنة والكرامة، مقابل التمييز والتهميش والإقصاء والطغيان وقانون القوّة العارية. وهذا يمكن أن ينجز على أرضية ايديولوجيات يسارية جديدة أو وطنية ديمقراطية أو حقوقية صرفة حتّى، أي بلا ملامح إيديولوجية أو” منطلقات نظرية”. وهذا ممكن طبعاً. أمام اليسار فرصة ممتازة إذن أن ينخرط في صراعات الواقع بعد أن يتحرّر هو نفسه من أوهام الطليعيّة وامتلاك الحقيقة العلميّة و”الحتميّة التاريخيّة”. فالقضايا أعلاه من صلب العقيدة اليساريّة سيما العدالة الاجتماعية التي هي القضية المركزية في الفكر اليساريّ التحرريّ. استدخال قضايا المجتمعات سيما حاجات المهمّشين في المجتمع و الترويج لثقافة حقوق الانسان والسلم الأهلي والعالمي و حقوق المرأة و والنسويّة وحقوق الأقليات والعلمانية و المشكلات الطائفية وقضايا البيئة والاتجار بالبشر والمخدرات وتجارة السلاح… جزء لا يتجزّأ من هذه المراجعة الضرورية. ولنتعرف على تجارب اليسار الجديد في أوربا مثلاً. على اليسار أن يتغيّر فعلاً وخطاباً مع الاحتفاظ بنواته الفكرية الأساسيّة: النضال ضد الاستغلال والاضطهاد والتمييّز بكافة أشكاله، والانتصار لكرامة الإنسان -المواطن .الشيوعية التقليديّة لا تملك حظوظاً أبداً. الحساسيّة العالمية والمفاهيم المهيمنة باتت تناقض كلياً مع شعارات الشيوعية التقليدية من قبيل ديكاتورية البروليتاريا وما شابه..
 والتلاقي مع قوى أخرى ممكن بل ضروري على طريق استعادة دولة المواطنين، كل المواطنين.


6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
 بالطبع هذا ممكن. لكن لا تنسى أنّ القوى الاسلامية أيضاً تملك وبدرجة أكبر قيادات شابة تعمل في الجامعات وعلى كل صعيد. في الماضي كان الشباب المتعلّم والجامعيّ منخرطاً في إطار القوى اليساريّة الديمقراطيّة أو القوميّة بدرجة اساسية، أي كان جمهوراً مضموناً لها. لكن الواقع تغيّر كما أود ان أركز في مداخلتي هنا.. وليس سرّاً أن الشباب غير اليساري أيضاً يتقن الانترنت والفيسبوك والتويتر وتنظيم الاحتجاجات…. والقوى الأكثر أصولية وظلامية استفادت كثيراً من التقانة( القاعدة مثلاً).


7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟

صحيح؛ القوى الديمقراطيّة واليساريّة والعلمانيّة كان لها دور أساسيّ في نصرة المرأة وإبراز دورها في الحياة العامة.هذا شيء يسجّل لها. مع ذلك لا يمكن أن نحكم على تيار أو حزب من خلال مدرك أو معطى واحد فقط،  وهو هنا النظرة العلمانية للمرأة وحقوقها. في سوريا مثلاً كثير من العلمانييّن العقائدييّن(بينهم مثقفون معروفون)  يصطفّون مع الجلّاد أو يسكتون عنه على الأقل(بحجة أن النظام علمانيّ و”حامي الأقليات” أو أنه بديله إسلامويّ أصوليّ…) وبنفس الوقت ينادون بتحرّر المرأة. لا أكترث لهؤلاء كثيراً. لا يمكن فصل الخطاب عن الموقع السياسيّ أو الموقف من السلطة، كلّ سلطة؛ سيما سلطة الأقوى والمتجبّر، فما بالك لو كان متوحّشاً وغولاً!

تحرير المرأة هو جزء من عملية تحرير شاملة للمجتمع سياسيّاً وثقافيّاً والمعركة طويلة. 
 
8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
 من كل قلبي أريد رؤية تيارات متنوعة تحدّ من هيمنة الإسلاميّين على الحياة العامة في بلداننا وتكبح رغباتهم في الاستيلاء والنفوذ. مع تسليمي المبدأي أيضاً بحقّ الإسلاميين في اللعبة السياسيّة وحقّ التعبير والمنافسة، لكن بشرط نبذ العنف في العلاقات الاجتماعيّة والسياسيّة و الإقرار بالتعددية في المجتمع والسياسة والثقافة، وهذا الشرط يسري على الجميع.

لكن حجم تأثير “الإسلام السياسي” يختلف من بلد لآخر. في سوريا، ولأسباب متعددة، نزعم أن فرصة الإسلاميين أقل منها في مصر وتونس، على الأرجح. حتى في مصر وتونس وليبيا واليمن … ليست السلطة والدولة ملكاً مضموناً للإسلامييّن، كما يروج قطاعات منهم وبعض خصومهم،  أو أرضاً خصبة لهم يصلحون فيها كيفما شاؤوا، رغم انتصاراتهم الانتخابيّة. الواقع عنيد على الكلّ ورغبة الإسلامييّن الجامحة للحكم والسلطة سوف تصطدم قريباً بالوقائع والحيثيات.وليكشتفوا هم أنفسهم كم ينبغي عليهم أن يتغيّروا ويتكيّفوا لا أن يغيّروا وحسب.


 9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر….. الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
 ظهر هذا الشيء في الانتفاضات الراهنة. التشبيك الالكتروني أضحى وسيلة تنظيمية فعّالة ولا بدّ من استدخالها في العمل السياسيّ والجماهيريّ. لكن من المبالغة كذلك القول أن ثوراتنا الراهنة هي ثورات فيسبوك وتويتر كما يروّج البعض(خاصة في الغرب) على أهمية الشبكة الالكترونية الكبيرة في التواصل و الترويج والدعاية.

 

10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟

موقع الحوار المتمدن، الذي له أفضال على كثيرين منّا، مقروء بكثافة وينشر لكتاب متنوعين جداً. لكن اسمحوا لي بالقول أنه يعوزه الضبط و التحرير. المقالات على سويّات متفاوتة جداً. والتوجهات كذلك مختلفة وهذا ليس انتقاصاً طبعاً لكن يجب وضع بوصلة ما . القارئ وهو يتصفّح الموقع يحصل لديه تشويش ذهنيّ، وربما لا يعود إلى الموقع كثيراً نتيجة كثرة المواد المنشورة والسويات المتفاوتة كتابيّاً والمشتّتة الاتجاهات. أبارك لكم هذه التجرية الإعلامية، وهذا الجهد الكبير الذي تبذلونه يومياً وبإمكاناتكم الماديّة البسيطة.

 

بدرخان علي، كاتب كردي سوري

تعليقات الزوار
Loading...
footer ads

footer ads